ميزانية الاستدامة المالية
أقر مجلس الوزراء السعودي برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز، يوم الأربعاء الماضي، الميزانية العامة للدولة للعام المالي القادم بفائض يقدّر بـ 27 بليون دولار، ما يمثل 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي. وقال تقرير لصندوق النقد الدولي إن الاقتصاد السعودي يُعدُّ الاقتصاد الأكثر نموًا بين اقتصادات مجموعة العشرين، بينما قالت بيوتات الخبرة إن الاقتصاد السعودي من أكثر الاقتصاديات استقرارًا في العالم، في الوقت الذي حذّر فيه البنك المركزي الأوروبي من بوادر عدم الاستقرار في دول المجموعة الأوروبية.
وقد استطاع الاقتصاد السعودي أن يحق هذ الفائض لأول مرة خلال عشر سنوات على الرغم من تداعيات جائحة كورونا والعوامل الجيو-سياسية، ومنها انعكاسات حرب أوكرانيا على أسواق الطاقة. ولم يكن هذا التعافي ممكنًا لولا التخطيط والإجراءات المدروسة لزيادة الموارد وتنويعها والاستثمار ومعالجة مواطن الخلل، ومنها مكافحة الفساد.
ومن المتوقع أن يشهد الاقتصاد السعودي مزيدًا من النمو والتطور في السنوات القادمة، ما لم تحدث تطورات قاهرة، مدعومًا باتفاقيات الاستثمار التي وقعت في أثناء جولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأخيرة في بعض دول جنوب شرق آسيا وتوقيع 34 اتفاقية في أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الأخيرة للمملكة.
لقد تضمن بيان الميزانية العامة للدولة ملامح كثيرة توقف عندها المحللون الاقتصاديون، لكن ما يلفت النظر فيها هو تركيزها على الجانب الاجتماعي وتحسين جودة حياة للمواطنين والمقيمين وهو الهدف الأسمى للحكومة. ونحن نلمس هذا الاهتمام بسعادة الإنسان السعودي وتفعيل دوره المحوري في التنمية الاقتصادية في مفردات منتقاة بعناية جاءت في كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد.
خادم الحرمين الشريفين شدد على أن الميزانية العامة حرصت على "توفير الممكنات الكفيلة بالحفاظ على سبل العيش الكريم للمواطنين والمقيمين، مؤكدًا على استمرار مواصلة العمل "بكل ما نملك من موارد وبعقول وسواعد أبناء وبنات الوطن لتحقيق رؤية المملكة 2030."
إن من أهم ما يميّز هذه الميزانية عن سابقاتها في العقود الماضية هو تركيزها على ترتيب أولويات الإنفاق، ومنها الاهتمام الكبير بالتعليم والجامعات والبحث العلمي وزيادة البعثات الخارجية في تخصصات محددة لأنه لا يمكنك أن تبني بلدًا بشعب لا يواكب المتغيرات والتسارع التقني في العالم.
هذا هو التحول الدينامي، ليس الاقتصادي فحسب، بل الاجتماعي والثقافي أيضًا، الذي بشّر به سمو ولي العهد منذ أن طرح رؤيته في عام 2016"، بما يضمن الاستدامة المالية نحو مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح". وأكد أن "المواطن السعودي هو أعظم ما تملكه المملكة للنجاح، فدور المواطن محوري في التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، ويسهم بشكل مباشر في تحقيق الإنجازات والمضي قدماً في مختلف المجالات والقطاعات الواعدة".
ولهذا تحرص الحكومة على خفض نسب البطالة وزيادة مساهمة الجنسين في عملية النمو والتطور. ولهذا أيضًا جاء الاهتمام بالبرامج الاجتماعية والصحية ومشاريع الإسكان ورعاية العائلات الأشد حاجة، وهذا ما يزيد من انتماء المواطن لهذا الوطن ومن استعداده لحمايته والدفاع عنه والحفاظ على مكتسباته لأنه شريك فيها وليس مجرد متلقٍ لها.
إن ما حققته وتحققه المملكة هو من نِعم الله علينا وعلى هذه الأرض التي تنعم بالاستقرار والأمن والتي دعا نبي الله إبراهيم ربه "رَّبَّنَآ إِنِّىٓ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْـِٔدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِتَهْوِىٓ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ"، وهذا من لطف الله ورحمته وبركته على هذا البلد الآمن وشعبه وقيادته.