جاء في الحديث الصحيح عن عبدالله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الراحِمونَ يَرحَمُهُمُ الرحمنُ، ارحموا مَن في الأرضِ يَرْحَمْكم مَن في السماءِ".
عندما تقرأ مثل هذا الحديث، وتتدبره، وتدرك معانيه، وما يستفاد منه، تصيبك الدهشة، وتغزو أفكارك الحيرة، ويُشل عقلك، فلا تُصدّق ما تراه من إجحاف من بعض البشر على بعض العمالة.
فحين تكون في سيارتك في ظهيرة، يحيطك الحر فيها من كل جانب؛ فالحرارة تداعب الخمسين درجة، والشارع يكاد يذوب من شدة الحرارة، وعوادم السيارات "تزيد الطين بِلة"، والعمران يحيط بك من كل جانب صادًّا لأي نسمة هواء تلطف الجو، حتى يخيل إليك أنك في مِرْجَلٍ يغلي..!! ولكن حين يهب عليك هواء "مكيّف" السيارة باردًا ينعش روحك؛ فتلهج بحمد الله وشكره على هذه النعمة التي حباك بها، وتذكر فضله الذي مَنَّ به على البشرية بأن منحها هذا العقل لتخترع المخترعات التي تساعدها على تحمُّل مشاق هذه الحياة.. وفجأة ترى أمامك منظرًا يصبُّ الجنون في رأسك صبًّا، ويُشعل الغضب في روحك حتى لتكاد تحترق حرة، وحسرة، وتموت كيدًا وكمدًا بسبب ما ترى..!! تشاهد في السيارة التي أمامك وأنت في هذا التنور الذي يفور عمالةً يجلسون في صندوق سيارة نقل، تلفحهم شمس، تخترق الحجر الصوان من شدتها، وليس بينهم وبينها ما يقيهم حرها؛ فلا ظلال، ولا غطاء..!! وهم في تلك الحالة المزرية يقاسون حرها، صابرين لا حول لهم ولا قوة.
فماذا يمكن أن تفعل؟!! وماذا يمكن أن تقول؟!! لا تملك إلا أن تتساءل: أين مخافة الله..؟!! أين الرحمة..؟!! أين الإنسانية..؟!! أين المسؤول عنهم..؟!! أين المسؤول عن تطبيق النظام الذي سنَّته الدولة..؟!! فالنظام يجبر الشركات على نقل عمالتها في حافلات مجهَّزة بكل وسائل الراحة، ويمنع نقلهم في السيارات المكشوفة.
هذا موقف يتفطر له القلب. وهناك مواقف ظلم أخرى مشابهة وكثيرة، يتعرض لها العمال من بعض المسؤولين عنهم، منها:
- العمل في الحرارة الشديدة في الأماكن المكشوفة في النهار.
- تأخير أجورهم أو الاقتطاع منها بغير وجه حق.
- أخذ مبالغ شهرية منهم مقابل "كفالتهم".
- التنمُّر عليهم واضطهادهم.
- ضربهم أو سبهم أو شتمهم.. وغير ذلك الكثير والكثير ..!!
حينها تتساءل: ألا يخشى هؤلاء أن ينطبق عليهم قول الله -عز وجل-: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ..} الإسراء 100؟
وتتمنى لو تَراجع هؤلاء عن غيهم، وعادوا إلى ربهم، وتساءلوا: ماذا نفعل كي يسامحنا ربنا ويغفر لنا؟ نقول لهم: الحل هنا في قوله تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} المائدة 39.