قمة جدة ميلاد الأمة
بقدر الطموحات والتطلعات التي كان عليها كل مواطن عربي ومسلم تجاه القمة العربية في جدة بقدر النتائج التي أسفرت عنها تلك القمة، بتعزيز التضامن والعمل العربي المشترك، وصولاً إلى نتائج تبشر بميلاد أمة عربية جديدة، قادرة على التعامل الحكيم مع التحولات الخطيرة التي يشهدها العالم من حولنا.
أستطيع أن أؤكد أن قمة جدة جاءت في وقت مهم وحساس من تاريخ أمتنا العربية؛ فهي جاءت بعد أكبر أزمة صحية شهدها العالم في العصر الحديث، ممثلة في جائحة كورونا، تلك الأزمة التي أربكت الدول العربية، وأثرت على اقتصاداتها وبرامجها وخططها المستقبلية؛ وبالتالي كان لازمًا عليها أن تعيد حساباتها، وترتب أوراقها لاستعادة ما فقدته أثناء الجائحة، وهو ما ركزت عليه القمة في مسارها الاقتصادي.
كما جاءت القمة في وقت تعاني فيه أكثر من دولة عربية مشكلات وأزمات داخلية مستجدة، في السودان وليبيا، فضلاً عن قضايا اليمن وسوريا ولبنان. هذه الدول تحتاج إلى الوقوف بجانبها؛ حتى تتخلص من مشكلاتها، وهو ما حرصت عليه القمة، من خلال نقاش كل هذه المشكلات مجتمعة، وأدرجت توصياتها في بيانها الختامي من أجل إيجاد علاج لها في أسرع وقت. وقد تجلى هذا في المسار السياسي للقمة، التي شهدت حدثًا لطالما انتظره كل غيور على أمته، بعودة سوريا إلى الحضن العربي.
ولأن السعودية دولة مبادئ وقيم، منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن حتى اليوم، فهي شدَّدت مرة أخرى على مركزية القضية الفلسطينية، وضرورة حلها؛ حتى يعود السلام الحقيقي إلى المنطقة، وفي ذلك رسالة واضحة المضمون إلى العالم، بأن قضية فلسطين لن تموت بالتقادم، وأن العرب لن يهنأ لهم بال حتى يسترد الشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة، ويعود الفلسطينيون إلى وطنهم، وعاصمته القدس.
القمة السعودية لم تكتفِ بدراسة الوضع في المنطقة العربية، وإنما تجاوزتها إلى الشأن العالمي، وكأنها أرادت أن تبعث برسالة عاجلة للعالم، مضمونها أن السعودية دولة سلام، تسعى إليه، وتدعمه بحيادية تامة، وتقف مع الحق؛ وظهر ذلك في استضافة القمة الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وفي الوقت نفسه الاستماع إلى رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما أعتبره خطوة تنم عن ذكاء القمة في رأب الصدع بين الدولتين، لعلها تثمر وقف الحرب بينهما.
وبعيدًا عن المجاملة أو المبالغة، قاد سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين -حفظهما الله-، قمة جدة إلى بر الأمان، ونجح بفكره الشبابي الحديث، وسياسته الجريئة، في أن يعلن بعبارات واضحة للجميع أن الأمة العربية مع السلام، وليست على استعداد لأن تدخل طرفًا في أي صراعات تشهدها المنطقة؛ وبالتالي لن تسمح بأن تكون أراضيها مسرحًا لأي صراعات.
نجاح القمة العربية أثلج صدور الجميع، وأسعد ملايين العرب، وأكد أن السعودية نجحت في قيادة هذه الأمة إلى بر الأمان، وأنها ستواصل هذه القيادة حفاظًا على مقدرات الأمة ومكتسباتها.