سيمفونية التأمين الصحي!!
لا يمكن أن يعزف سيمفونية العمل في التأمين الصحي جهة واحدة دون اكتمال جهات عناصر التأمين الصحي مجتمعة، وهي ثلاثة عناصر: (المريض، المشفى وشركات التأمين).
الأول المريض يطلب الرعاية الصحية مقابل دفع المال بصفة خاصة، أو من خلال جهة عمله، للعنصر الثالث وهو شركات التأمين الصحي، والثاني المشفى يقدم هذه الرعاية الصحية للمنتفع بها وهو المريض، من خلال وسيط تأمين صحي، وهو يمثل العنصر الثالث (شركات التأمين الصحي). فالعلاقة مزدوجة بين العنصرَين الأول والثالث، ومزدوجة أيضًا بين العنصرَين الثالث والثاني، وليس هناك علاقة مزدوجة بين العنصرين الأول والثاني.
بمعنى مختصر: ليس هناك عقود بين العنصرَين الأول والثاني. ومحور هذه العقود وحجر أساسها هو المريض.
هناك خلل واضح، وضرر مستبين، يلحق الأول والثالث (المريض وشركات التأمين)، هو: تراجع مستويات التأمين الصحي، وزيادة الحمل على شركات التأمين، بينما مقدم الخدمة الصحية من المشافي هو المستفيد الأوحد.
الصحة لا تُشترى بالأموال، وإذا كنا نقود صحتنا فإننا نكون أصحاء وأحرارًا، أما إذا كانت صحتنا هي التي تقودنا فنحن حقًّا مرضى، وسنظل عبيدًا للمشافي وشركات التأمين!!
ولأن التأمين الصحي هو أحد طرق الرعاية الصحية للأفراد والمجموعات، وتقوم فلسفة التأمين الصحي على مبدأ تجميع المخاطر، وهو أحد أنواع التأمين ضد مخاطر الظروف الصحية، ويشمل تكاليف الفحص والتشخيص والعلاج، والدعم النفسي والجسدي.. فهو بمنزلة الجمعية التعاونية وفق نظام اجتماعي، يقوم على التكافل والتعاون، يؤدي إلى تخفيف الأعباء والتكاليف على المريض، المترتبة على معالجة أي حالة مرضية، ويضمن وصول الرعاية الصحية لجميع محتاجيها مقابل مبلغ يسير من المال، يدفعه جميع المشتركين في التأمين.
لا تزال هناك مشاكل لوجستية وتقنية، لا تعزز من تقديم الخدمات الصحية بصورة فيها من الشفافية الكثير والكثير، ولا يزال تصنيف الفئات العمرية، والأمراض المزمنة، من أحد عوائق اشتراطات العقود وزيادة إثقال تكاليف التأمين الصحي على المؤسسات والشركات الخاصة، الربحية منها وغير الربحية، مع تفاوت في أسعار العقود، وتناقض في الخدمات، وتعطيل في الإجراءات.. تكلف المريض الكثير من الإرهاق والملل، وكأنها نوع من التطفيش. وهذا يتنافى مع أخلاقيات الخدمة المقدمة للإنسانية.
هذه العناصر الثلاثة مجتمعة (المريض، المشفى وشركات التأمين) تحتاج إلى تقنين في العقود، وتخفيض في الأسعار، وتسريع في العمل، والعمل بروح الفريق الواحد الذي يجزئ المهمة، ويضاعف النجاح للجميع؛ بما يضمن الحقوق لجميع العناصر.. فنسبة نحن إلى أنا هي أفضل مؤشر على تطور الفريق، كما قال لويس.
هناك من المرضى من لحقه الضرر، وكذلك بعض شركات التأمين لحقها خسائر فادحة؛ لأن النظام المعمول به حاليًا لا يخدم هذين الطرفين، بقدر ما يخدم الطرف الثالث، وهو المشفى، الذي يتم تحصيل فواتيره من شركات التأمين بصورة دورية، والتكلفة باهظة جدًّا؛ وهو ما يعكس ضَعفًا في تقديم الخدمات للمريض.
لا بد من ملف صحي لكل مريض، ينتقل إلكترونيًّا لشركة التأمين الجديدة المتعاقَد معها. وهذا دور مجلس الضمان الصحي في التنسيق بين المشافي وشركات التأمين، وعدم تمكين سريان العقود إلا باستلام صورة من الملف الصحي لكل مريض؛ حتى لا يكون هناك حجج، أو تعطيل، أو تسويف!!
وإن تطرقنا للأسعار فأسعار المشافي في عقودها مع شركات التأمين عالية جدًّا، وأسعار شركات التأمين الصحي مع الأفراد والكيانات التجارية والحكومية أيضًا عالية جدًّا. ولأن عمل الوسيط الصحي بمنزلة الضامن لزيادة عدد مرتادي المنشآت الصحية فإن العقل والمنطق يقولان: احذروا من النفقات الصغيرة؛ فالتسرب الصغير يمكن أن يُغرق سفينة كبيرة!!