المدير البرشوت
في عالم الإدارة يظهر بين فترة وأخرى نموذج غريب يُعرف بين الموظفين بالمدير البرشوت، وهو ذلك المدير الذي يهبط فجأة على كرسي القيادة دون مقدمات، وكأن طائرة مجهولة أنزلته بمظلّة في قلب المؤسسة. لا تاريخ إداري واضح، ولا خبرة متراكمة، ومع ذلك يجد نفسه في موقع القرار.
المشكلة الحقيقية أن هذا النوع من المدراء يعيش حالة خوف دائم من اتخاذ القرارات الحاسمة، فيتردد ويؤجل ويفرّط في الوقت، ثم يهرب من المواجهة بإحالتها لغيره. وغالباً ما يمكّن مدراء أقل كفاءة، ليس لجدارتهم أو خبرتهم، بل لأنهم الأكثر توافقاً مع مزاجه أو لأنهم لا يشكّلون تهديداً لموقعه. ومع مرور الوقت تبدأ ملامح الضعف في المؤسسة بالظهور، فتغيب سرعة الإنجاز، ويتراجع الأداء، ويُحبط الموظفون الأكفاء الذين يشعرون بالتهميش، بينما يبرز غير المؤهلين في المشهد الإداري بلا استحقاق.
بهذا الأسلوب تتحول المؤسسة من بيئة محفّزة ومنتجة إلى ساحة ارتباك وفوضى، ويظن المدير البرشوت أن الحذر المبالغ فيه يحميه، بينما الحقيقة أنه يعمّق حالة الشلل الإداري ويفقد الثقة بينه وبين فريقه. وفي المقابل، تبقى المؤسسات التي تؤمن بالتدرج وصناعة القائد من الداخل أكثر استقراراً وأقوى أثراً، لأن القائد حينها يعرف تضاريس المكان، ويفهم طبيعة الناس، ويتخذ قراراته بعقلية الخبير لا الهابط بالمظلة.
الخلاصة أن المدير البرشوت قد يهبط فجأة، لكنه لا يستطيع التحليق طويلاً، وسرعان ما تكشفه النتائج وتفضحه القرارات المؤجلة، ليبقى وجوده مجرد درس قاسٍ في أن القيادة لا تُفرض ولا تُورث، وإنما تُكتسب بالمعرفة والخبرة والتدرج.