السعادة وصُناعها..!
يختلف الناس كثيرًا في التعامل مع هذه المفردة الساحرة؛ من حيث تعريفها، أنواعها، طرقها وأسبابها.. ولكنهم يتفقون على أهميتها في حياتنا، ودورها العظيم في حياة البشرية.
فلا يختلف اثنان على أن من أهم مقومات الحياة السعادة، بل إنها مكون أساس من مكونات النفس البشرية حتى تستقيم حياتها، وتكتمل صحتها الجسدية، والنفسية.. فمتى اكتملت هذه لدى الإنسان عاش باستقرار، وأمان داخلي، وطمأنينة، وسكينة، وصفاء نفس، وطهارة روح، وراحة بال.
واختُلف كثيرًا في تحديد مفهومها، أو وضع تعريف دقيق لها، ولكن كل الذين تطرقوا لتعريفها اتفقوا على أنها: حالة من الرضا، يشعر بها الإنسان، وأنها نسبية، تختلف من شخص إلى آخر، وتختلف عند الشخص ذاته من زمن إلى آخر، ومن موقف إلى آخر.
وكما اختُلف في تحديد مفهومها اختُلف في أنواعها؛ فمنهم من يُقسّمها إلى: سعادة داخلية وأخرى خارجية، ومنهم من يُقسّمها إلى: سعادة مؤقتة، وأخرى دائمة.
وكذلك اختلفوا في طرقها وأسبابها؛ فمنهم مَن يراها في كثرة المال، ومنهم مَن يراها في وجود أناس في حياتك تحبهم ويحبونك، ومنهم من يرى أنها في تحقيق طموح، ومنهم من يرى أنها تتحقق بالحصول على درجة علمية عالية، ومنهم من يرى أنها تتحقق بتكوين أسرة صالحة، تكون نواة لمجتمع فاضل، ومنهم من يرى أنها تكمن في مد يد العون وتقديم المساعدة للمحتاجين إليها.. وكل إنسان يراها تكمن في تحقيق احتياجاته وما تصبو إليه نفسه.
وحين نتحدث عن السعادة فلا بد أن نتحدث عن صُناعها الذين تجردوا من الذاتية و"الأنا"؛ فصار جُل همهم صنع السعادة في حياة الآخرين، ونشرها بينهم، وتقديم كل ما من شأنه إيجاد مجتمع سعيد، يرفل بثوب الرضا، وينعم بالاستقرار، وتحفه الطمأنينة، ويبذلون في سبيل ذلك الغالي والنفيس، ولا يألون جهدًا في تحقيق ذلك.
ووجود أمثال هؤلاء في حياتنا أكبر مكسب، وأعظم نعمة؛ فإن مَرَّ بحياتك أناس يصنعون في داخلك الفرح، والسعادة، والسرور، ويُحيون في داخلك الأمل، والطموح، وحب الحياة.. فتمسك بهم، وعض عليهم بالنواجذ، واحمد الله أن ساقهم لك؛ لينيروا لك الطريق، ويرسموا ملامح الفرح في حياتك؛ فهم فنانون، رسموا السعادة في حياتك، ولوَّنوها بألوان الفرح، كما يرسم الرسام لوحته، ويعتني بأدق تفاصيلها.
والواجب علينا جميعًا أن نتمسك بهؤلاء، ونقول بصوت واحد: طوبى لصُناع السعادة، طوبى لزارعي الأمل، طوبى لناشري المحبة في الحياة.
مسك ختام:
إن السعادة الحقيقية ليست سعادة الدنيا فحسب، بل هي سعادة الدنيا والآخرة، وهي السعادة التي أشار إليها ربنا الرحمن -جل في علاه- في كتابه العزيز في سياق حديثه عن يوم القيامة:
﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ (105) سورة هود.
وقال سبحانه وتعالى مبينًا السعادة الحقة: ﴿وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۖ عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذٖ﴾ (108) سورة هود.