نحو بناء جسور مؤسسية مستدامة: مقترح إنشاء البرنامج الوطني لتنظيم استدامة العلاقات المحلية والدولية

تم النشر في

في ظل المتغيرات المتسارعة إقليميًا ودوليًا، تبرز الحاجة الماسة إلى تأسيس منظومة وطنية تُعنى بإدارة العلاقات المحلية والدولية على نحو احترافي ومستدام.

فالعلاقات الفاعلة لم تعد تقتصر على اللقاءات والمجاملات البروتوكولية، بل أصبحت أداة استراتيجية تعكس قوة الدولة ومتانة مؤسساتها وقدرتها على التأثير والتكامل داخليًا وخارجيًا.

ومن هنا تنطلق فكرة إنشاء البرنامج الوطني لتنظيم استدامة العلاقات المحلية والدولية، ليكون مظلة تنسيقية مرجعية، تعيد رسم العلاقة بين الجهات والشركاء بمهنية، وترسخ ثقافة الحوكمة والاستمرارية والفعالية في إدارة العلاقات.

يهدف البرنامج إلى نقل العلاقات من كونها جهودًا فردية أو مبادرات مؤقتة، إلى منظومة مؤسسية واضحة المعالم والمسؤوليات، ما يضمن استدامتها حتى في ظل تغير القيادات أو الموظفين.

كما يسعى إلى بناء قاعدة معرفية متكاملة تُوثق الشراكات والمبادرات، وتُسهل الاستفادة منها وتطويرها عبر الزمن، دون الحاجة إلى البدء من جديد في كل مرة. ويعمل البرنامج كذلك على توسيع دوائر التعاون الداخلي والخارجي، من خلال تعزيز التكامل بين الجهات، وتوحيد الرسائل المؤسسية، وفتح مسارات تنسيقية تتيح مشاركة المعرفة، وتمنع تكرار الجهود أو تضاربها.

ويُعد إشراك الكيانات المجتمعية المتخصصة جزءًا رئيسيًا من رؤية البرنامج، إذ يُقترح أن تُدرج الجمعيات المهنية في العلاقات العامة والمبادرات الاتصالية تحت مظلته، لتجد الدعم المؤسسي والاهتمام الذي تستحقه، بما يمكنها من تفعيل دورها وتحقيق أثرها بصورة أكبر.

فهذه الجمعيات بما تمتلكه من خبرات ومبادرات نوعية، يمكن أن تسهم بشكل فعّال في بناء صورة ذهنية وطنية، وتعزيز القوة الناعمة للمملكة في الداخل والخارج، متى ما وجدت التوجيه والتكامل مع الجهود الرسمية.

ويُنتظر أن يُقدم البرنامج الوطني حزمة من الأدوات التنظيمية والتمكينية، من أبرزها منصة إلكترونية وطنية تُسجل فيها العلاقات والمبادرات وتُحدّث باستمرار، بالإضافة إلى أدلة ومنهجيات متقدمة تساعد الجهات على إدارة العلاقات بمهنية، إلى جانب خدمات التدريب وبناء القدرات، ومؤشرات لقياس الأداء والأثر، مما يُشكل بيئة داعمة وحيوية لتطوير العلاقة بين مؤسسات الدولة ومحيطها المحلي والدولي.

إن إنشاء هذا البرنامج يمثل خطوة جريئة نحو بناء علاقات مؤسسية قوية، لا تعتمد على الأفراد بقدر ما تُبنى على رؤية واستراتيجية وتكامل منظم.

وهو في جوهره رسالة بأن المملكة تتجه نحو مستقبل ترتكز فيه علاقاتها على الكفاءة والمأسسة والاستدامة، بما يحقق مصالحها الوطنية، ويعزز من حضورها وتأثيرها في محيطها الإقليمي والعالمي. فالمستقبل يبدأ من اليوم، والتنظيم هو البوابة الأولى إليه.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org