الفحص الدوري.. مَن الأوْلى المركبة أم الراكب؟

تم النشر في

وصلتني رسالةٌ تذكيرية مَفادها أن رخصة سير سيارتي قد شارفت على الانتهاء، وإن لم أجددها فالغرامات بشتى أنواعها وتوابعها هي مصيري؛ فهرعت مسرعًا وأول خطوات التجديد هو إجراء فحص دوري للمركبة، وقد فعلت، واجتزتُ وجددتُ والحمد لله.

استوقفني الحال وقلت: إذا كنا نتلافى المصائب الفنية والتقنية للمركبات (الحوادث وتوابعها) بإجراء الفحص الدوري، والهدف حماية البشر قبل الحديد؛ فلماذا لا يتم تعميم الفحص الدوري على المواطن حسب العمر وعوامل الخطورة وما توصي به المنظمات الصحية؛ على أن يتم ذلك بشكل إجباري في ظل الخدمات الصحية المجانية ولله الحمد (وإنْ لزم الأمر فبمبلغ رمزي).

كلنا يتذكر تجربة تطعيمات الأطفال، وكيف تم ربط اللقاحات بشهادات الميلاد (من خلال صدور مرسومين ملكييْن في عامي 1979م وعام 1983م، وتَضَمّن المرسومان ربط منح شهادة الميلاد بإكمال التطعيمات الأساسية)؛ مما جعل سلامة الأطفال ومستقبلهم الصحي في ازدها، ومنع الكثير من الكوارث الصحية ولله الحمد، وزرع الطمأنينة في قلوب الوالدين والمجتمع.

التجربة الأخرى والناجحة ولله الحمد، هي الفحص الطبي قبل الزواج والذي كان من أبرز أهدافه الحد من انتشار بعض الأمراض الوراثية وبعض الأمراض المعدية ونقص المناعة المكتسب (الإيدز)، ونشر الوعي بمفهوم الزواج الصحي الشامل؛ مما ننتج عنه تقليل الضغط على المؤسسات الصحية وبنوك الدم، وتجنب المشاكل الاجتماعية والنفسية للأسر التي يعاني أطفالها، والتقليل من الأعباء المالية الناتجة عن علاج المصابين على الأسرة والمجتمع والدولة.

طبعًا من الأهمية بمكان مراعاة الفائدة المرجوة ومقارنتها بالتكلفة، والبعد عن إجراءات الفحوصات ذات التكلفة العليا إن لم تكن الفائدة تستحق؛ ناهيك عن البعد عن بث الرعب في نفوس البشر من صحيح ومريض، والحرص على أن يكون التواصل معهم بمهارة وأسلوب الترغيب والبعد عن الترهيب.

يُعد الاكتشاف والعلاج المبكر أمرًا بالغ الأهمية في الوقاية من العديد من الأمراض وإدارتها وعلاجها؛ فالاكتشاف المبكر والعلاج يمكن أن يؤدي لنتائج علاجية أفضل (المرض في مراحله الأولية)؛ مما يجعله أكثر استجابة للعلاج، ومنع المرض من التقدم، وتقليل مخاطر حدوث مضاعفات، وتحسين الصحة على المدى الطويل.

الأمر الآخر هو قلة التكلفة بشكل عام؛ من علاج المراحل المتقدمة من المرض، وتقليل الحاجة لاختبارات تشخيصية باهظة الثمن، وإنقاذ الأرواح خاصة في حالات السرطان وأمراض القلب وغيرها من الحالات التي تهدد الحياة، ومنع انتشار الأمراض المعدية، وتحسين نوعية الحياة للأفراد المصابين بأمراض مزمنة، وإدارة الأعراض وتقليل الألم ومنع المرض من التقدم.

هناك الكثير من الدراسات عن النتائج الجيدة وربما المذهلة لنتائج الكشف المبكر والفحص الدوري؛ فمثلًا سرطان القولون إن تم اكتشافه مبكرًا؛ فمعدل البقاء على قيد الحياة -بأمر الله- قد يصل لـ91% لمدة 5 سنوات، مقابل 11% فقط معدل البقاء على قيد الحياة إذا تم اكتشافه متأخرًا وانتشر إلى أعضاء أخرى.. كذلك من بين 15% من حالات سرطان المبيض التي تم تشخيصها مبكرًا، يعيش أكثر من 90% منها لمدة خمس سنوات.

الكشف المبكر هو مفتاح الإصابة بسرطان الثدي والبروستاتا؛ حيث تبلغ نسبة البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات لمرضى سرطان الثدي وسرطان البروستاتا المصابين بمرض في مرحلة مبكرة 98% و100% على التوالي، وتظل معدلات البقاء على قيد الحياة مرتفعة عند 10 سنوات.

ومن فضل الله ثم فضل حكومتنا الرشيدة أن علاج جميع الأمراض مجانًا وعلى نفقة الدولة داخليًّا وخارجيًّا؛ في حين تشكل التكاليف المالية لعلاج السرطان عبئًا إضافيًّا على الأشخاص المصابين بالسرطان وأسرهم ومجتمعهم (استحوذ علاج السرطان على 93 مليار دولار في الولايات المتحدة في عام 2008).

ويظل هناك جانب مظلم لاستغلال القلق والحزن وربما الاكتئاب الذي يعيشه المصاب؛ حيث يروج أصحاب النفوس المريضة والطامعون في جيوب الصحيح والمريض، لبعض الفحوصات والاختبارات العديدة دون أن يكون لها مبرر؛ ناهيك عن طرق الإعلان والتي قد تزرع الرعب (مثل تمدد الأوعية الدموية على وشك الانفجار! وآخر: الشرايين مسدودة على وشك التسبب بجلطة دماغية! وثالث: الأورام المتضخمة على وشك الانتشار في جميع أنحاء الجسم!) مما يجعل البعض ينفق الكثير من أجل راحة البال دون أن يكون هناك مبرر واضح.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org