من أجل فلسطين
اليهود أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيًا في إلحاق الضرر بهم، حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، وسحروه، وألّبوا عليه أشباههم من المشركين. قال الله تعالى: {لتجدن أشد الناس عدٰوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا} [المائدة: ٨٢]. ومع علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فإنه لما هاجر إلى المدينة، قَبِلَ جوارهم، ووقّع معهم المعاهدات التي تضمن تمتعهم بحرية ثقافية وحقوقية ومالية كاملة، وما كان ليخرجهم من المدينة لولا نقضهم للمواثيق، كعادتهم على مر العصور.
وبعد حرب أكتوبر 1973م، وتوقف إطلاق النار، ودخول بعض الدول العربية في مفاوضات مع إسرائيل؛ كان لا بد من التعامل مع هذا الواقع الجديد، وخاصةً في ظل أن إسرائيل أصبحت دولة لها كيان جغرافي معترف به دوليًّا.
ومن أجل فلسطين، حرصت المملكة العربية السعودية على إقرار اتفاق سلام دائم وتسوية النزاع بشكل عادل ومنصف يمنح الفلسطينيين دولة ذات سيادة وكرامة؛ وذلك من خلال مبادرة الملك فهد بن عبدالعزيز (ولي العهد آنذاك) عام 1981م، لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، التي تنص في أحد بنودها على "قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس، وتأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام". وقد أُفشلت المبادرة بمعارضة العديد من الدول العربية، وكذلك مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز (ولي العهد آنذاك) في عام 2002م، وأعلن عنها في القمة العربية في بيروت، وأقرت من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وتنص في أحد بنودها على "انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ 1967م، وقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية؛ وذلك مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل".
ويمكن تقسيم علاقات الدول العربية مع إسرائيل إلى قسمين: قسم ما قبل مبادرة الملك عبدالله، ويشمل: اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، ومعاهدة وادي عربة مع الأردن، واتفاقية فك الاشتباك مع سوريا، واتفاق 17 أيار مع لبنان. ولعل المبرر لهذه الدول هو الحدود المباشرة لها مع إسرائيل. ويشمل أيضًا تطبيع موريتانيا معها، والعلاقات التجارية من قِبَل كل من قطر وعمان، وهذه الدول لا حدود لها مع إسرائيل؛ ولعله يشفع لها أن ذلك كان قبل المبادرة.
والقسم الآخر دولٌ أقامت علاقات كاملة بعد مبادرة الملك عبدالله، مثل ما تم مؤخرًا مع الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والسودان والمملكة المغربية. وجميع هذه الدول ليس لها حدود مباشرة مع إسرائيل؛ فلذا لا أجد لها مبررًا لإقامة علاقات معها بشكل فردي دون الالتزام بالإجماع العربي الذي يشترط تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي للتطبيع مع إسرائيل؛ لكن لعلنا نعتبره من باب الشأن السيادي لتلك الدول، ويجب علينا احترامه.. وفي كل الأحوال فإن الرابح الأكبر من إقامة هذه العلاقات هو إسرائيل.
وموقف المملكة العربية السعودية من القضية الفلسطينية ثابت وواضح منذ عهد المؤسس إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولا مجال للمزايدة في ذلك. ولم تتوانَ عن تقديم أي شيء يخدم القضية الفلسطينية على كل المستويات؛ بل إنها -ومن أجل فلسطين- أول من وضع التطبيع مع إسرائيل على طاولة المفاوضات وفق المبادرتين المذكورتين آنفًا، كما صرّح بذلك وزير الخارجية السعودي، في رده على أحد الأسئلة على هامش منتدى الحوار المتوسطي 2020.