المسؤولية الاجتماعية.. "نيولوك"

تم النشر في

حرصت العديد من مؤسسات وشركات القطاع الخاص بالسعودية منذ وقت طويل على لعب دور أساسي ومهم في تنمية المجتمع عبر تقديم خدمات ومساعدات عينية ومادية للفئات الأكثر احتياجًا في المجتمع، مثل برامج مساعدة الأيتام والفقراء، وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، والمساعدة في تسديد مبالغ الغارمين، إضافة إلى القيام ببرامج ثقافية ورياضية، تستهدف فئات الشباب؛ وذلك انطلاقًا من قِيم الخير التي يمتاز بها مجتمعنا الذي قام على عمق إسلامي أصيل، وتاريخ عربي مشبع بقيم المروءة والشهامة والتكافل.

ومع أن كثيرًا من مؤسسات القطاع الخاص استمرت في القيام بهذا الدور طيلة الفترة الماضية، وقدمت جهودًا مشكورة، إلا أن التغيرات التي يشهدها عصرنا الحالي استلزمت تغيير هذا النمط من التفكير، ومراعاة الاحتياجات التي استُجدت، وباتت تُشكّل الأولوية في اهتماماتنا، كنتيجة طبيعية لتغيُّر الزمن.

على سبيل المثال، البطالة هي أكبر مشكلة تواجه المجتمع حاليًا؛ وقد أولت الدولة اهتمامًا كبيرًا لها، وبذلت جهودًا متواصلة لإيجاد الفرص الوظيفية التي تعين الشباب على تأمين مستقبلهم، وتكوين عائلاتهم.

ولأننا مجتمع عائلي بامتياز، يظل حلم الشباب الرئيسي هو الزواج، وتكوين أُسرهم الصغيرة؛ لذا فإن القضاء على مشكلة البطالة يظل ضرورة حتمية لتحقيق الأمن الاجتماعي، ولاسيما إذا أخذنا في الاعتبار أن المجتمع السعودي يمتاز بارتفاع نسبة الشباب؛ إذ تؤكد الهيئة العامة للإحصاء أن ثُلثي السعوديين من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة.

ولأن الجهود الحكومية لن تكفي بطبيعة الحال لإيجاد الحلول الكافية لهذه المشكلة فقد تفاعلت كثير من الشركات الكبرى للإسهام في رفع كفاءة الشباب، وتوفير الفرص الوظيفية المناسبة بطرق متعددة، منها برنامج التدريب المنتهي بالتوظيف الذي طبَّقته بعض الشركات التي تتطلب نوعية معينة من الموظفين ذوي الكفاءة العالية؛ فقامت باستقطاب مجموعة من خريجي الجامعات، ووفرت لهم برامج تدريبية متقدمة؛ لإكسابهم مهارات معينة قبل توقيع عقود وظيفية معهم.

ومن أبرز النماذج في هذا الإطار ما قامت به "نيوم"، التي بدأت برنامجًا تدريبيًّا متميزًا بالتعاون مع جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وإشراف مباشر من جامعة إيكول أوتيليري دو لوزان في سويسرا، وهي من أفضل وأعرق جامعات العالم المتخصصة في الضيافة؛ وذلك لتخريج مئات الكوادر الذين تحتاج إليهم مدينة المستقبل.

كذلك اتجهت بعض الشركات لتقديم الدعم لرواد الأعمال، وذلك عبر تبنِّي مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة، وإبرام عقود من الباطن معهم، إضافة إلى توفير دراسات الجدوى والاستشارات الفنية التي تعينهم على بدء مشاريع ناجحة.

وفي الإطار ذاته أبدى البعض اهتمامًا وعناية كبيرة بالأُسر المنتجة؛ لأن هؤلاء المتعففين يرفضون مد أياديهم بالسؤال، ويفضلون العمل الحُر، واكتساب قوتهم بأنفسهم؛ لذلك نرى أمام الحدائق والطرق السريعة العديد من الذين يعملون في بيع المنتجات الغذائية والحِرف اليدوية، وغيرها. وهؤلاء جديرون بمساعدتهم على امتلاك عوامل الإنتاج.

مثل هذه النماذج المضيئة تُعبِّر عن أبرز معاني الاستدامة؛ لأن تمكين هذه الفئات من عناصر الإنتاج أكثر فائدة من مساعدتهم بمبالغ مالية أو مواد غذائية بصورة منتظمة؛ لأننا بذلك نوفر لهم القدرة على التحول إلى عناصر منتجة قادرة على تقديم خدمة إيجابية للمجتمع؛ وهو ما يتيح لهم الاعتماد على أنفسهم، وإعالة أبنائهم، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، بدلاً من انتظار المساعدات الشهرية.

هناك حاجة فعلية للتوسع في هذا الفهم المتقدم؛ لأن اهتمامات الناس تغيرت، وأولوياتهم تبدلت؛ لذلك فإن الشركات التي ما زالت تتعامل مع مفهوم المسؤولية الاجتماعية بالأساليب القديمة نفسها ينبغي أن تمارس نوعًا من التفكير خارج الصندوق، وتتلمس الاحتياجات الفعلية للناس؛ حتى تكون مساهماتها أكثر تأثيرًا ومنفعة في المجتمع.

أما الذين يقومون بهذا الدور من باب الظهور الإعلامي، ويتمسكون بتقديم مساعداتهم للمحتاجين على أضواء فلاشات وكاميرات الصحف والفضائيات، كنوع من حب الظهور والدعاية فقط، فإن هؤلاء سيظلون داخل حلقة مفرغة، ولن يكون لإسهاماتهم أثر حقيقي في المجتمع؛ لأن كثيرًا من المتعففين يرفضون هذه الأساليب التي تؤذي كرامتهم، وتجرح عزتهم.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org