لماذا يتحمَّل الإعلاميون أوزار المؤثرين؟

تم النشر في

"أنا إعلامي".. عبارة كثيرًا ما يستخدمها البعض لتعريف أنفسهم، دون أن يكون لهم الحق في استخدامها، أو ادعاء الانتساب إلى مهنة الإعلام.. ليس ذلك فحسب، بل إن كثيرًا من هؤلاء يقومون بطباعة كروت شخصية لأنفسهم بهذه الصفة، ويسارعون إلى تقديمها للآخرين، وكأنهم يريدون تأكيد مزاعمهم.

هذا الفعل نلاحظه بصورة أساسية عند من باتوا يُعرَفون باسم "المؤثرين"، أو الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، وبخاصة "فيسبوك" و"سناب شات"؛ وهو ما تسبَّب في الكثير من الخلط؛ إذ لا يوجد وجه شبه بين ما يقوم به هؤلاء وما يمارسه الإعلاميون من مهام معروفة ومحددة في الوسائل الإعلامية كافة، المقروءة والمسموعة والمرئية.

بداية، ليست لي مشكلة مع هؤلاء المؤثرين؛ فبعضهم يقومون بأدوار مقدَّرة، ولهم إسهامات معلومة في التأثير على المشهد الثقافي وتعزيز الوعي لدى فئة الشباب، بالرغم من أن عمل الغالبية العظمى منهم تشوبه إخفاقات متعددة، ويمثلون معاول هدم أكثر من كونهم أدوات بناء.. ولكن -على كلٍّ- ليست هذه هي النقطة التي أريد التركيز عليها في هذا المقال.

ما أود إيضاحه هو أن الإعلام مهنة مضبوطة بأسس معلومة، وعلم قائم بذاته، تقوم معظم جامعات العالم بتدريس قواعده وأصوله، وتمنح فيه أعلى الدرجات العلمية، كما أن هناك هيئات تتولى تنظيم المهنة، وتدافع عن حقوق العاملين فيها.

أما الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي فهؤلاء يمكن أن تطلق عليهم أسماء أخرى، مثل "يوتيوبر" أو "تيك توكر" أو "سنابر"، أو أيًّا كان، لكن أن يدَّعُوا الانتساب إلى جماعة الإعلاميين فهذا خطأ كبير، حتى وإن كانوا يقدمون موادَّ قريبة من الإعلام.. فالعطار -على سبيل المثال- يبيع أعشابًا، قد تُستخدم لأغراض علاجية، لكنه حتمًا لن يزعم أنه طبيب. والمقاول يسهم في عمليات البناء والتشييد، لكنه بالتأكيد ليس مهندسًا؛ لأن تلك المهن كافة لها تعريفات واشتراطات معينة.

في ظل هذا الوضع فإن هيئة الصحفيين السعوديين مطالَبة بفض هذا الاشتباك حفاظًا على هذه المهنة التي تمثل رقيب المجتمع، ويحظى العاملون فيها باحترام كبير من فئات المجتمع كافة، ويجدون جميع التسهيلات التي تمكّنهم من القيام بواجباتهم على الوجه الأكمل.

وهناك من الأنظمة ما يتيح لهم الوصول غير المشروط للمعلومات، ويضمن عدم ملاحقتهم بصورة انتقامية، ما داموا متمسكين بأصول المهنة وميثاق الشرف الذي يحكم عملهم؛ لذلك فإن هناك خطرًا على الصورة الذهنية المشرقة التي يحملها المجتمع عن مهنة الإعلام؛ فما نشاهده على وسائل التواصل من تجاوزات كثيرة ومخالفات متعددة لا ينبغي أن يتحمل وزره الإعلاميون بسبب خلط قد ينشأ في أذهان البعض بين الإعلاميين و"المؤثرين".

المطلوب من هيئة الصحفيين كما ذكرت هو المسارعة لإغلاق هذه الثغرة، وذلك بوضع تعريف وتوصيف واضح لهوية الإعلامي، وتحديد ماهية العاملين في هذه المهنة، وحصرهم، سواء كانوا في جهات حكومية أو مؤسسات خاصة، ومنحهم رخصًا لمزاولة المهنة أو بطاقات عضوية؛ وذلك لإغلاق الباب على من يتطفلون بادعاء الانتساب لها، الذين يسعون إلى التكسب المالي عبر الحصول على الإعلانات ،وزيادة نسبة المتابعين.

أما من ينتحلون هذه الصفة بغير وجه حق فهؤلاء مخطئون، ويرتكبون مخالفات محرمة بنص القانون؛ لأنهم يستفيدون من تسهيلات تُمنح لغيرهم بحكم وظيفتهم، وعليهم البحث عن مسميات وظيفية أخرى بعيدًا عن مهنة الإعلام التي لها من يدافعون عنها، ويحرصون على صورتها المشرقة في أذهان الناس، التي اكتسبوها بجهدهم وعطائهم، وليس باللهث وراء الأموال ولو كان ذلك على حساب ثوابت المجتمع ومصالحه.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org