الثقة الصحية.. طريق ذو اتجاهين
في 2019 أجرت منظمة "فاركي" الخيرية استطلاعًا في 35 دولة حول الوظائف التي يُنظر إليها بإعجاب كبير ليحتل الأطباء المرتبة الأولى.
مؤشر "الجدارة بالثقة" العالمي الصادر عن شركة "IPSOS" المتخصصة في أبحاث السوق، أجرى استطلاعًا في 2021 شَمِلَ 28 دولة حول العالم (السعودية هي الدولة العربية الوحيدة)؛ حيث أوضحت النتائج تصدر الأطباء للثقة في السعودية بنسبة وصلت 67.64٪ عالميًّا.
الثقة هي عنصر محدد في أي علاقة شخصية، لكنها أساسية بشكل خاص في العلاقة بين المريض والطبيب، ويخشى الكثير من التغييرات السريعة في نظم الرعاية الصحية أن تهدد ثقة المرضى في أطبائهم وربما تقوضها.
ارتبطت مستويات الثقة العالية بالعديد من الفوائد؛ بما في ذلك تصور الرعاية الأفضل، وقبول أكبر للعلاج الموصى به، وتسهيل الوصول للخدمات الصحية، والتحدث مع الطبيب بصدق وصراحة، والالتزام بإجراء الفحوصات السنوية، والامتثال للخطط العلاجية.
قد تُسهم الثقة أيضًا في الموافقة على التسجيل في التجارب السريرية ومشاريع البحث؛ ناهيك عن النتائج الإيجابية لاستمرار المرضى مع نفس مقدمي الرعاية ومنها قلة التردد على قسم الطوارئ.
هناك العديد من العوامل تساهم في تآكل الثقة؛ ومنها قلة الوقت الذي يقضيه الطبيب مع المريض؛ مما يجعل من الصعب للغاية بناء الثقة وإنشاء علاقات هادفة وشفائية.
ومع التنقل بين العيادات وتبديل شركات التأمين؛ يصبح المريض مجبرًا على تبديل الطبيب؛ مما يعني محو العلاقة الحالية والبدء ببناء علاقة جديدة من الصفر، قد ينتج عنها عدم وجود الوقت الكافي لبناء الثقة.
سلوك بعض الأطباء عبر وسائل التواصل الاجتماعية والذي يتزايد يومًا بعد يوم؛ قد يؤثر على ثقة المريض في الفريق الصحي، وربما زعزعتها، وكذلك اعتقاد البعض أن الأطباء يهتمون كثيرًا بجني الأرباح بدلًا من الاهتمام بتوفير رعاية جيدة.
وقبل إلقاء اللوم على الطبيب أو المريض؛ يجب أن نتذكر أن النظام الصحي وقيوده المفروضة على كلا الجانبين (الأطباء والمرضى) طمعًا في تحسن الجودة والفعالية من حيث التكلفة؛ ربما أسهم في فقدان الثقة.
مع الأسف تتآكل ثقة المرضى في الأطباء بشكل كبير يومًا بعد يوم، ويتساءل المرضى عما إذا كان الأطباء يضعون الاهتمام بهم حقًّا في المقام الأول.. وجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب أن الثقة في النظام الطبي انخفضت من 80٪ في عام 1975 إلى 37٪ في عام 2015.
وفي خضم تلك المعوقات وتزعزع الثقة وما نتج عنها من أضرار لكلا الطرفين (الأطباء أو المرضى)؛ كيف يمكن استعادة وبناء وتحسين الثقة؟
تزداد الفرص لتشكيل تلك العلاقة وتحسين الثقة مع كل زيارة.. ولاستعادة الثقة، هناك العديد من الخطوات الفعالة يجب اتخاذها من قِبَل الطبيب؛ ومنها وضع مصلحة المريض أولًا، وأن يبرز الطبيب من خلال تصرفاته أنه أهل لتلك الثقة، ثم الإيماءات الصغيرة التي يمكن أن تجلب ثروة من حسن النية وبناء الثقة، مكالمة هاتفية لمتابعة حالة المريض قد تُحدث الفرق، كذلك البقاء لوقت متأخر لرؤية المريض لها مفعول السحر أحيانًا.
الشرح للمرضى أمر بالغ الأهمية، كطبيب فإن إخبارك للمريض بما تفعله ولماذا تفعله وجعل القرار أمرًا مشتركًا، وإضفاء مزيد من الشفافية والمصداقية على الخطوات العلاجية؛ كل ذلك يزيد من الثقة بين الطرفين.
ثقافة الطبيب تلعب دورًا في بناء الثقة، يقول العديد من المرضى إنهم يثقون بمقدمي خدماتهم إذا كانوا مؤهلين ثقافيًّا ولديهم خلفيات وهويات وخبرات حياتية أو لغات مشتركة.
كطبيب حسّن مهارات التواصل مع المرضى، كذلك أظهر التعاطف والصدق والاستماع النشط، واحرص على السرية لأن المرضى يثقون بأطبائهم إذا شعروا أن معلوماتهم ستبقى قيد السرية تمامًا.
عزيزي المريض.. الثقة هي طريق ذو اتجاهين، لا يمكنك أن تتوقع من طبيبك أن يبذل جهدًا لكسب ثقتك والحفاظ عليها إذا لم تفعل الشيء نفسه معه، كن صادقًا مع طبيبك، كن صريحًا ودع الخوف أو الحرج، حاول اتباع إرشادات طبيبك.
دع التنقل بين العيادات والأطباء ولا تفعل إلا إذا شعرت أن طبيبك لا يستمع لك، أو ليس لديه وقت لك، أو يظهر اهتمامًا بأعراضك أكثر من السبب، أو يبدأ في وضع افتراضات ذاتية عنك وعن حياتك، ولا يحترم الحدود المهنية.
ختامًا..
العلاقة بين المريض والطبيب مبنية على الثقة والاحترام والتواصل والفهم المشترك، وهنا تظهر المسؤولية الأخلاقية للأطباء لوضع رفاهية المرضى فوق المصلحة الذاتية أو الالتزام تجاه الآخرين، واستخدام الحكم الطبي السليم نيابة عن المرضى والدفاع عن رفاهيتهم.