تجنَّب الحرام التزامًا بأوامر الله لا خوفًا من العقوبات

تم النشر في

البُعد عن الحرام يُعدُّ أحد أهم مبادئ تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، التي تعكس مدى التزام المسلم بدينه، ومدى خوفه من الله سبحانه وتعالى، إلا أن الدوافع التي تجعل الإنسان يبتعد عن المحرمات تختلف من إنسان لآخر؛ فمنهم من يجتنبها خوفًا من العقوبة والعار، ومنهم من يبتعد عنها التزامًا بأوامر الله وابتغاء لمرضاته. والدافع الثاني هو الأسمى والأرقى الذي يجب أن يكون غاية كل منا.

إن الشعور بالخوف من العقوبة جزءٌ من طبيعة الإنسان؛ لأنه يسعى دائمًا إلى تجنُّب الألم والخسارة.. ولكن حينما يكون هذا الدافع هو الدافع الوحيد الذي يجعل العبد يبتعد عن الحرام فإن التزامه بالأوامر يكون ضعيفًا؛ فقد يمتنع عن الذنب في العلن خوفًا من الفضيحة، لكنه يقع فيه في السر، وهو ما يسوى بذنوب الخلوات.

في هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، نترك الشهوات بأنواعها خوفًا من الله والتزامًا بتعليمات ديننا الإسلامي العظيم.

من يترك الطعام والشراب خوفًا من عقوبة المجاهرة التي وضعتها الدولة فإن هذا الأمر يتلاشى حينما يسافر خارج السعودية ويبتعد عن أعين المجتمع والجهات الرقابية، وهذا قمة الضعف والهوان.

المؤمن الحقيقي هو الذي يبتعد عن الحرام ليس خوفًا من العقوبة فقط، بل لأنه يؤمن بأن كل ما حرمه الله يحمل شرًّا، يؤثر على الإنسان في الدنيا والآخرة، وأن طاعة الله هي سبيل النجاة والسعادة في الدارين.

الإيمان ليس مجرد التزام ظاهري بالقوانين، بل هو علاقة صادقة بين العبد وربه.

المؤمن الذي يحب الله بصدق يبتعد عن الحرام؛ لأنه يدرك أن الطاعة هي الطريق إلى القرب من الله، بينما المعصية تبعده عنه.

يقول الله تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}. فالاتباع الحقيقي للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والالتزام بشرع الله، يكون مصدرهما من المحبة قبل الخوف.

عندما يحب الإنسان ربه فإنه يترك الحرام تلقائيًّا، بل قد يشعر بالبعد وعدم الانجذاب للحرام، ولا يغريه الحرام بكل أشكاله؛ لأنه يرى أن الوقوع في الحرام يقود إلى تشويه إيمانه والتأثير السلبي عليه.

المؤمن الحقيقي لا يحتاج إلى من يذكِّره بالعقوبات الدنيوية أو الأخروية، بل يكفيه أن يتذكر أنه مؤمن بالله. وهذه مرتبة الإحسان التي علمنا نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن الإحسان هو "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

ما أجمل أن يستشعر الإنسان في كل زمان ومكان مراقبة الله سبحانه وتعالى له؛ وهذا يجعله يخجل من الانقياد لنزعات النفس ومحاولات الشيطان وأعوانه لترك أوامر الله أو فعل معصية تغضب الله منه.

هذا السلوك الإيماني العميق الذي ينبع من الداخل وبقناعة تامة هو ما يصنع المؤمن الحقيقي؛ لأن السلوك الذي منبعه الخوف من العقوبات الدنيوية فقط سيكون سلوكًا مؤقتًا وقابلاً للكسر في كل فرصة يبتعد فيها الإنسان عن القيود وعن مراقبة الكاميرات والناس.

ما أجمل أن يكون تجنبنا للحرام وتركنا للمعاصي التزامًا بأوامر الله -عز وجل-.

نسأل الله أن يتقبل منا جميعًا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وأن ينقي قلوبنا من الشوائب، وأن تكون أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org