الصقر وتسويق هويتنا الوطنية
لم يعد خافيًا على أحد مكانة مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور على مستوى العالم، فهو أكبر تجمع للصقور عالميًا، ويترقب الصقارون من كل الدول انطلاقته في 25 ديسمبر الجاري، ويمكن أن نسميه بأنه أصبح أحد أهم المشروعات الاتصالية التي تعرّف العالم بالهوية السعودية، وتقدّم سردية وطنية حديثة تنطلق من موروث أصيل، وبصياغة معاصرة.
قد يتفاجأ البعض مما تحقق حتى اليوم في هذا المهرجان، فقد دخل موسوعة غينيس كأكبر تجمع للصقور في العالم ثلاث مرات، ورسّخ موقعه كحدث قادر على تشكيل صورة المملكة وإبرازها عالميًا بطرق إبداعية ومؤثرة، وها هو يمثّل نقطة التقاء بين الموروث والاتصال، إذ يُقدّم الصقارة -التي كانت مهارة فردية خاصة بأهل الصحراء سابقًا- في صورة جديدة تتجاوز حدود الهواية إلى فضاء احتفائي واسع يشارك فيه آلاف الزوار والصقارين والإعلاميين والدبلوماسيين والمهتمين من مختلف الدول، وبذلك يتحول الصقر، بمكانته الرمزية، إلى حامل لغوي وثقافي يعكس قيَم الشجاعة والشموخ والارتباط بالأرض، وهي قيم تتماهى مع السردية السعودية المعاصرة القائمة على الطموح، والانفتاح، والمبادرات الوطنية الكبرى.
وتسهم الأرقام القياسية المسجلة في المهرجان في تعزيز هذا الحضور الاتصالي، فعندما يُعلن عن أكبر تجمع للصقور في العالم، تصبح الجملة -بحد ذاتها- مادة إعلامية جاهزة، قصيرة وجذابة، ومحمّلة بالدلالات، تعيد تقديم المملكة كدولة تجمع بين الأصالة والتنظيم وتقديم الموروث بشكل متجدد.
ففي مقرّه بمَلهم شمال الرياض، يطالع الزائر فضاءً واسعًا يستدعي الماضي في صورة يمكن للزائر الحديث أن يتفاعل معها، يلتقط صورها، ويعيد نشرها عالميًا.
ولعل هذه اللحظات تجعلنا نقف قليلًا، حيث تتجلى قوة المهرجان الاتصالية، فالمشهد الواحد يتحول إلى محتوى رقمي قابِل للانتشار، ويعيد صياغة الهوية السعودية بصريًا أمام جمهور عالمي واسع.
يتكامل المهرجان مع رؤية السعودية 2030 التي أعادت تعريف الثقافة بوصفها مساحة لصناعة التأثير الاقتصادي والاجتماعي، فالمهرجان يُحيي تراثًا، ويربطه بمفاهيم الاستدامة والاحترافية، ويُحيي علاقة بين الإنسان والطبيعة، بين المجتمع وماضيه، بين الهوية والصورة الذهنية للدولة، فيتحول مهرجان المؤسس إلى منصة تظهر قدرة السعودية على تحويل ممارسات تقليدية إلى مشروع وطني حديث، ومنظم، وجاذب للزوار والإعلام العالمي.
في كل عام يكتب مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور فصلًا سعوديًا جديدًا في طريقة تقديم هويتنا للعالم، أكتب هذه السطور وكلي فخر واعتزاز بما تحقق على يد نادي الصقور السعودي، وبما سيحمله المهرجان في أيامه القادمة، حيث شكّل نموذجًا اتصاليًا وتسويقيًا للهوية الوطنية والموروث، تتجاوز حدود الثقافة إلى فضاء التأثير العالمي.
