جاءت موافقة مجلس الوزراء على تنظيم مركز دعم هيئات التطوير والمكاتب الاستراتيجية لتؤكد النهج الذي تتبناه الدولة في بناء منظومة حكومية أكثر تكاملاً وفاعلية. فالقرار القاضي بتحويل مكتب دعم هيئات التطوير إلى مركز دعم يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، ويرتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء، يمثل خطوة استراتيجية تعكس رؤية القيادة في دعم الجهات التطويرية وتمكينها من القيام بأدوارها بكفاءة أعلى، خصوصًا في ظل الزخم التنموي الكبير الذي تشهده المملكة في إطار رؤية 2030.
تأسيس المركز لا يُعد تغييرًا شكليًا، بل يعدّ انتقالًا نحو نموذج مؤسسي أكثر نضجًا، يستجيب لحاجة ملحّة هي تنظيم العلاقة بين هيئات التطوير والمكاتب الاستراتيجية المتعددة في مناطق المملكة، وتوفير منصة مركزية للدعم، والتنسيق، ورفع كفاءة الأداء، وتوحيد المعايير التنظيمية. ولأن هذه الهيئات تلعب دورًا رئيسًا في تطوير المدن، وقيادة برامج التحول الحضري، وصياغة مستقبل البنية التحتية والخدمات، فإن وجود مركز وطني يدعمها ويعزز حوكمتها يمثل ضمانة لنجاح المشاريع وتحقيق الأثر المستدام.
تتوزع في المملكة اليوم هيئات تطوير متعددة، لكل منها أهدافها وبرامجها ومشاريعها، بدءًا من تطوير المدن الكبرى، ومرورًا بالمشاريع الثقافية والتراثية، ووصولًا إلى التنمية السياحية والرياضية والاقتصادية. ورغم أن هذا التنوع يعكس ثراء التجربة التنموية للمملكة، إلا أنه يفرض تحديات تتعلق بتوحيد الأدوات، وتناسق المبادرات، وتبادل المعرفة، وتقليل الازدواجية.
وهنا يظهر الدور المحوري للمركز الجديد باعتباره منصة للتكامل المؤسسي، تعمل على تعزيز الانسجام بين خطط الهيئات المختلفة، وتوحيد الإطار الاستراتيجي العام للبرامج التنموية، وتطوير قنوات تواصل فعّالة بين الجهات، وتقديم نماذج وإرشادات تنظم العمل وترفع مستواه. كما يسهم المركز في تمكين الهيئات من إعداد خطط واستراتيجيات أكثر نضجًا، ومتابعة تنفيذ المشاريع وفق مؤشرات أداء واضحة، وتحقيق كفاءة أعلى في تخصيص الموارد.
يعمل المركز كذلك على توحيد التوجهات العامة للتنمية الحضرية، بما يشمل التخطيط العمراني، والتطوير العقاري، والبنية التحتية الرقمية، والنقل، والبيئة. فبدلاً من أن تعمل كل هيئة بمعزل عن الأخرى، يصبح المركز محورًا للتنسيق والمواءمة بين المشاريع، بما يضمن اتساقها مع الأهداف الوطنية، ويعزز قدرتها على تقديم أثر واضح في تحسين جودة الحياة وجاذبية المدن.
إذا كان التكامل هو الأساس، فإن الحوكمة هي الضمانة التي تحمي النموذج التنموي من التعثر أو الازدواجية أو ضعف المخرجات. ويأتي تنظيم المركز ليؤسس إطارًا حوكمياً متينًا يساعد الهيئات التطويرية على العمل وفق منهجيات واضحة، وأدوار محددة، وصلاحيات متوازنة، وآليات شفافة لإدارة المشاريع ومتابعة تنفيذها.
تحديد الأدوار والمسؤوليات بين الهيئات والمكاتب الاستراتيجية.
تطوير أنظمة قياس الأداء ومؤشرات الجودة.
إعداد تقارير موضوعية تساعد صناع القرار على تقييم التقدم المحرز.
تقديم الاستشارات الفنية والتنظيمية لتحسين كفاءة الهيئات.
وضع آليات للمتابعة والرقابة تعزز المساءلة والشفافية.
كما يسهم المركز في ضمان أن المشاريع التنموية، على اختلاف مجالاتها، تسير وفق معايير واحدة تتسق مع أفضل الممارسات العالمية في التخطيط الحضري، وإدارة المشاريع، وتطوير البنية التحتية. وهو ما يعزز ثقة الجهات الحكومية والشركاء والمستثمرين في قدرة هذه الهيئات على تنفيذ مشاريع نوعية ذات أثر يمتد لسنوات طويلة.
لا يمكن النظر إلى تنظيم مركز دعم هيئات التطوير بمعزل عن المسار الكبير الذي تقوده الدولة عبر رؤية 2030. فالهيئات التطويرية هي إحدى أهم أدوات تنفيذ مشاريع وبرامج الرؤية في مختلف القطاعات، والمركز الجديد يُعد حلقة وصل محورية بين هذه الجهات وبين القيادة العليا، بما يضمن أن جميع المشاريع تنسجم مع التوجهات الوطنية، وتحقق القيمة المضافة، وتلتزم بالمواعيد والأطر الزمنية المحددة.
ويأتي المركز كخطوة تعزز استدامة التنمية، وتدعم توجهات المملكة في بناء مدن حديثة، ذكية، جاذبة للاستثمار، ومتوازنة في نموها الديموغرافي والاقتصادي والاجتماعي. كما يسهم في تعزيز التنافسية الإقليمية والدولية للمملكة في مجالات التخطيط الحضري، وتنمية البنية التحتية، والإبداع العمراني، والاقتصاد الحضري.
يمثل مركز دعم هيئات التطوير والمكاتب الاستراتيجية حجر زاوية في مسار تحديث الجهاز الحكومي، وإعادة صياغة منظومة التنمية الحضرية في المملكة. فهو ليس مجرد إطار تنظيمي جديد، بل هو رافعة استراتيجية تعزز التكامل، وترسخ الحوكمة، وتضمن استدامة المشاريع، وتوحد الجهود، وتدعم الهيئات التطويرية لتحقيق أفضل الأثر.
وبين التكامل الذي يوحّد الرؤية، والحوكمة التي تضمن الجودة، يصبح المركز منصة أساسية لبناء مدن مستقبلية تليق بطموح المملكة، وترقى إلى تطلعات القيادة والمجتمع، وتُسهم في تحقيق رؤية 2030 بكل شغف وعزيمة.