صورة مؤلمة من كارثة الزلزال

أطفال يصرخون بحثًا عن آبائهم وإخوانهم، ونساء يولولن وهن يحتضن فلذات أكبادهن، وينتظرون عودة من حاصرتهم الكتل الخرسانية وقِطَع الحديد.

رجال يذرفون الدمع وهم يشاهدون أبناءهم وزوجاتهم وقد تحولوا إلى قِطَع لحم متناثرة، أو جثث فارقتها الحياة.

والد لا يدري هل يبحث عن أبنائه أم زوجته أم والدته.. وأم يختلط لديها الفرح بنجاة ابنتها والحزن واللوعة لفقدان الآخرين.

هذه بعض الصور المؤلمة التي تُدمي القلوب، وتوجع الأرواح، وتُدخل الكآبة إلى النفوس، وقد شاهدناها جميعًا خلال الأيام الماضية ونحن نتابع أحداث الزلزال الرهيب المدمِّر الذي ضرب تركيا وسوريا.

كم هو مؤلم منظر المساكين الذين لم يعودوا يعرفون ما عليهم فعله عندما وقعت المأساة في ساعات الفجر الأولى من ذلك اليوم الحزين.. هل يذهبون للبحث عن أقاربهم؟ أم عن ملجأ يؤويهم؟ أم ملابس تستر أجسادهم وتقيهم شر البرد والجليد؟

كان المنظر فظيعًا ورهيبًا، وكأنه جزء من أحد أفلام الخيال العلمي.. بنايات شاهقة تهوي في ثوانٍ معدودة بسكانها، وتتحول إلى أثر بعد عين، ولا يتبقَّ منها سوى غبار يخنق الأنفاس، ودخان يتصاعد إلى عنان السماء.. والنتيجة في النهاية: أكوام من الركام والخراب والأيتام، وسيل من الصرخات والدموع.

ومع أن تأثير الزلزال في تركيا كان أكبر، والضحايا أكثر عددًا، إلا أن المآسي التي شهدتها سوريا كانت أشد فظاعة؛ فالإمكانات تختلف بين البلدَيْن. وفيما هرعت معظم الدول الأوروبية إلى مد يد العون والمساعدة إلى تركيا فقد ظل السوريون بلا سند، يبحثون عمن يخفف عنهم مصابهم، ويكفكف دموع أطفالهم، ويمنحهم الأمل في غد أفضل حالاً.

ورغم أن روح الشهامة العربية كانت حاضرة بقوة في نفوس السوريين إلا أنها لم تكن كافية وحدها لإنقاذ العالقين بين الأنقاض؛ فظل المسعفون ورجال الإنقاذ يحاولون تحريك الكُتل الخرسانية الضخمة بأيادٍ عارية، وفؤوس تقليدية، لم تستطع إنقاذ كثير ممن كانوا يصرخون طلبًا للنجدة والمساعدة.

تلك هي لعنة السياسة، ووجهها الكالح.. فالدول التي تقاعست عن مساعدة السوريين تذرعت بعدم وجود علاقات مع نظام الأسد. وهو عذر لا يمكن قبوله؛ فمنذ متى كانت العلاقات السياسية شرطًا لإنقاذ المدنيين الأبرياء؟ ولماذا تدفع الشعوب ثمن سياسات قادتها بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق معهم؟

وكعادتها، كانت المملكة العربية السعودية حاضرة بقوة لمد يد العون للمحتاجين، بدوافع إنسانية محضة، لا تضع اعتبارًا لأي حسابات أو خلافات دينية أو مذهبية أو سياسية.

الجانب الأكثر روعة في الموقف السعودي هو أن القيادة الرشيدة لم تكتفِ بالمساعدات الحكومية التي وصلت للمحتاجين في البلدين على وجه السرعة، وعبر جسر جوي، تم تسييره خلال ساعات قلائل من المأساة، بل فتحت باب التبرعات الشعبية؛ لتأكيد تلاحم السعوديين مع أشقائهم السوريين والأتراك؛ فتسابق أبناء الشعب النبيل، وقدموا ما يزيد على 150 مليون ريال في أقل من 24 ساعة. وهي رسالة تحمل في جوفها العديد من الدلالات والمعاني.

أما الجانب المظلم، الذي كان ينضح بالقسوة، فهو تلك "التفاهات" التي رددها البعض في وسائط التواصل الاجتماعي، الذين لم يجدوا داخل أنفسهم الفقيرة ما يمنعهم من الزعم بأن ما حدث هو "عقاب رباني".

يا الله.. ما أقسى هؤلاء، وما أشد جهلهم! ألم يعلموا أن ضحايا الزلازل ضمن الشهداء بحسب اتفاق معظم العلماء والفقهاء؟

وبهذا المنطق، كيف يعاقِب الله من اختارهم لمرتبة الشهادة؟ ألم يشاهدوا ذلك الشيخ الذي كان محاصرًا خلف الأنقاض، ولكنه طلب من المسعفين بعض الماء ليتوضأ حتى يدرك الصلاة في وقتها؟ ألم يروا تلك السيدة التي رفضت الخروج من بيتها وهو ينهار إلا بعد أن منحوها قطعة قماش، سترت به جسدها؟ والرجل الذي حرص على تلقين ابنه الشهادة قبل الموت؟ هل أمثال هؤلاء الشرفاء يستحقون العقاب؟ ليس من باب المبالغة القول إن كلمات أولئك الغارقين في ظلمات الجهل أشد تشويهًا لصورة الإسلام الناصعة مما يفعله أعداء الدين، وأكثر إيلامًا لنفوس المساكين من ضحايا الزلزال الذين ليس باستطاعتهم تحمُّل المزيد من هذا الغثاء.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org