برج الشنانة.. شموخ المكان وروعة الإنسان

مَعْلم بُني من الطين والتبن في محافظة الرس (برج الشنانة)، تحدَّى منذ أكثر من 264 عامًا مرور السنوات، والتغيرات المناخية؛ ليبقى شامخًا بشكله المخروطي، وطوله البالغ 27 مترًا.

وهو مُكوَّن من عشرة أدوار، ويوجد في كل دور فتحة لدخول الهواء وللمراقبة.

والمبنى مزيَّن بنقوش من الخارج والداخل، ويتكون من قاعدة مستديرة الشكل، قطرها 12 مترًا، ومسقوفة من الخشب والإثل وجريد النخيل.

هذه مواصفات البرج وبنائه.. ولكن أين مواصفات ولون العرق، وطعم وشكل الأيدي والأكف التي شيَّدت وتقرحت وتعبت حتى اكتمل البناء؛ ليكون سدًّا منيعًا صامدًا في مواجهة الغزاة والمعتدين؟

لماذا لا تظهر مع مواصفات برج الشنانة وعدد أدوراه عدد وأشكال وألوان ضربات يد المعماري الفريد (فريح بن فواز التميمي)؟ لِمَ لا يذكر المؤرخون الأيام والشهور التي قضاها هذا المعماري الفريد في العمل بجد واجتهاد حتى وقوف هذا الصرح الشامخ ليومنا هذا، يُذكّرنا بالأمجاد، ويعيدنا لذكريات البطولة والفداء؟

فالمعماري (فريح) ليس هو جدي أنا وحدي، بل هو جد أسرة (الفريح) بمحافظة البكيرية، وهو جد الوطن كله.

هو ذلك الجد المهندس، والبنّاء، والعامل، والمحارب في الوقت نفسه.. فهو الذي هندس، وبنى، وصمم عام ١٢٣١هـ برج الشنانة؛ وبالتالي كان لهذا البرج دورٌ حاسم في حسم معركة الشنانة، التي تعتبر من أهم معارك الملك عبدالعزيز –رحمه الله- الفاصلة في توحيد المملكة العربية السعودية؛ إذ وقعت في عام 1322هـ.

نعم يا سادة.. دعونا ونحن نستحضر عظمة البناء وجمال التشييد أن نستحضر معها عظمة مَن بنى وشيَّد، ومَن بذل من دمه وعرقه وجسده الكثير ليختلط مع مواد البناء؛ لتصبح ذرات كفَّيه الماهرتين مختلطة بذرات الطين والخشب، وجريد النخل؛ لتؤلف معًا سيمفونية العظمة والشموخ.

هذا هو الشعور الجميل، أن نشعر بالمكان والبشر في آن معًا، أن نعرف قدر المكان ومكانة الإنسان الذي صنع المكان.

يُقال إن برج الشنانة قد بُني من الطين المخلوط بالتبن.. فلنصحح لهم أن برج الشنانة بُني من الطين المجبول بالعرق والدم والعزة والكرامة، كما يقال إنه نُقش على جدرانه الطينية حُفر عدة لاستخدامها عند النزول والصعود من دور إلى آخر.. هذه ليست حُفرًا يا سادة؛ هذه علامات وعيون البرج، تشارك الباني عظمة اللحظة وميلاد الشموخ.

فكما شهد برج الشنانة دفاع أهل القرية وملاحمهم في الحروب والمعارك ضد الغازي والمحتل، علينا أن نشن الحروب ضد النسيان، وضد الإهمال؛ فلا ننسى فضل من شيَّد وبذل الكثير.. ولنشن حربًا على النكران؛ فنذكُر الفضل لباني برج الشنانة، كما كان برج الشنانة يشهد حروب الدفاع والتصدي ضد الغزاة والمعتدين. اليوم يستقبل هذا المَعلم السياحي التاريخي البارز أعدادًا متزايدة من السياح من الخارج، زوَّار عرب وخليجيين وأوربيين، ومن الداخل من مختلف مناطق المملكة العربية السعودية؛ يشدهم إليه جمال عمارته، ودوره التاريخي المهم.. فلنخبرهم بأن يتذكَّروا المهندس والمعماري، ومَن كانت كفه تخضب بالطين مع العرق والدماء؛ لتكون لبنات أساس لهذا الشموخ الصامد على مدى السنوات والأيام.. وبما أنه قد نُفذ مؤخرًا مشروع تهيئة القرية الشعبية في بلدة الشنانة في المنطقة المحيطة بالبرج، كذلك تم تأسيس سوق شعبي، يحاكي الطابع الأثري والتراثي للمكان، وكذلك بوابة تُبيِّن هوية الموقع وأهميته، كما تم ترميم المعالم الأثرية المحيطة، والقريبة من البرج. فليُضَف لذلك عملية ترميم للذاكرة البشرية، ولنضع ضمن هذه الإجراءات الترميمية إجراءات ترميم لذاكرة الإنسان؛ لنذكِّر الزائرين والسائحين وقاصدي جمال وروعة التاريخ والمكان بالإنسان الذي يمكنه أن يفعل مثلما فعل المعماري الفريد (فريح التميمي) – رحمه الله-، ولنجعل لذكراه مع شموخ برج الشنانة عنوانًا للإنسان السعودي الذي هِمته كما قال سيدي ولي العهد (محمد بن سلمان): "همة الإنسان السعودي مقتبسة من همة جبل طويق الشامخ".

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org