هيئة الغذاء والدواء.. رفقًا بالصائمين

تعمد هيئة الغذاء والدواء مع بداية شهر رمضان المبارك إلى إعادة نشر بيان حول منتج "الفيمتو"؛ لمواجهة شائعة كونه يحتوي على ملونات اصطناعية مسرطنة، كان آخرها بالأمس القريب.

ومع كل التقدير والاحترام للجهة المعدة للبيان في الهيئة إلا أنه احتوى على العديد من المآخذ العلمية؛ وهو ما يعطي رسائل مربكة للمستهلك، منها رسائل عكسية، قد يُفهم منها أنه منتج صحي!!

بدايةً، المفترض أن يناقش البيان الملونات الاصطناعية مثار التساؤلات دون الإشارة لاسم المنتج، وهو النهج الإعلامي والتوعوي المتبع في مواجهة الشائعات، وخصوصًا أن العديد من مركزات الفواكه تحتوي على هذه الملونات.

وللأسف، لم تنتبه الهيئة إلى أن بيانها بهذه الطريقة أصبح دعاية مجانية للمنتج، لا يحلم بها!!

كما توحي صياغة البيان بأن المواد الملونة الاصطناعية التي ذُكرت فيه آمنة "على إطلاقها" إذا تناولها الفرد وفق الكميات المسموح بها، دون قيد أو شرط (عدا ما ذكرته باحتمالية تأثيرها السلبي على النشاط والتركيز لدى الأطفال)، وهو ما يمثل خللاً في البيان؛ لمخالفته الأدبيات العلمية في التوعية الصحية، وتعارُضه مع حق المستهلك في الوصول للمعلومة الموثوقة الشاملة والمتكاملة.

فالمفترض أن ينص على أنها آمنة وفقًا "للأبحاث والأدلة المتوافرة حتى الآن"؛ لأنه من المحتمل أن يكتشف فيما بعد ضررها، وهو ما ثبت في عدد من المضافات الغذائية سابقًا. وهذا ما درجت عليه العديد من المنظمات المشابهة للهيئة في عدد من الدول، بما في ذلك الهيئة الأوربية لسلامة الأغذية (EFSA)، وغيرها؛ فهي لا تقطع بيقين بأمان تلك الملونات، وإنما تربطه بما يتوافر من أدلة "حالية".

ومما يؤكد وجهة نظري في المطالبة بعدم الإفراط في الحديث عن مأمونية تلك الملونات الاصطناعية أن مادة (E110)، على سبيل المثال والمذكورة في البيان، يُمنع استخدامها في دول كفنلندا والنرويج (المعلومة من مصدر علمي بتاريخ 2015)؛ إذ تتعامل تلك الدول باحترازات أمان عالية تجاه بعض الملونات والمواد المضافة.

وأضيف من باب حق المستهلك في المعرفة الشاملة بأن الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية، وإن كانت تسمح بالملونات الاصطناعية المذكورة في البيان، وتشمل E129 و E122 و E110 وE102 وفق معايير محددة، إلا أنها توصي في المقابل بإجراء اختبارات جديدة لمعالجة أوجه ما يسمى "عدم اليقين" المتعلقة بالسمية الجينية (Genotoxicity) المحتملة لتلك الملونات، ويقصد بذلك القدرة على إتلاف الحمض النووي، أو بعض المواد الجينية في الخلايا.

ومع أن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) تسمح بتلك الملونات وفق معايير محددة إلا أنها تُشعر المستهلكين بتواصل تقييمها لسلامة تلك الملونات وفقًا للمستجدات العلمية.

وفي المقابل، تشجع وكالة المعايير الغذائية البريطانية (FSA) المصنعين للعمل على إيجاد بدائل لتلك الملونات، وتشير إلى أن بعض المصنعين اتخذوا بالفعل إجراءات بعدم استخدامها.

وأمام كل هذه المعطيات العلمية كان الأسلم للهيئة أن تُبيِّن المأمونية "النسبية" لتلك الملونات بطريقة متوازنة، تتفق والبراهين العلمية وأدبيات التوعية، والإشارة إلى "عدم اليقين" الجزئي حيالها؛ لضمان حق الفرد في الوصول للمعلومة الموثوقة الشاملة والمتكاملة، ومن ثم تُيسِّر للمستهلك الاختيار المبنيِّ على المعرفة، وشراء المنتج من عدمه.

وعلى الهيئة أن تُطبِّق هذا النهج عند الحديث عن أي نوع من المضافات الغذائية التي لا تزال في مرحلة من عدم اليقين.

كما يظهر في بيان الهيئة ذكر تلك الملونات الاصطناعية، بما يفهم منه أنها موجودة كلها أو بعضها في ذلك المنتج. والغريب أنه لم تُذكر أي من تلك الملونات في قائمة المحتويات على المنتج المتوافر في السوق حاليًا، حسب اطلاعي! فهل يعني ذلك أنها موجودة به لكنها لم تُكتب؟ أم إنها غير موجودة أصلاً به؛ وبالتالي ما المبرر لذكرها في البيان بطريقة مربكة؟ وهو ما يثير التعجب حول إفراط الجهة المصدرة للبيان في الهيئة في تبرئة ساحة المنتج بطريقة مُبالَغ فيها، وغير منهجية.

ومن مبدأ حق المستهلك في المعرفة الشاملة والمتكاملة، فليعلم أن الملونات الاصطناعية ما هي إلا مواد كيميائية، تُصنع في المعامل، مشتقة من مصادر بترولية، أو من الفحم، إلا أنها تُستخدم بنِسَب واشتراطات محددة، تضمن مأمونيتها "النسبية" عند إضافتها للمنتجات.

وعلى المستهلك أن يدرك أن هيئة الغذاء والدواء عندما تصف مكونات منتج ما بأنها آمنة، ومفسوحة من قِبلها، فعلميًّا لا يعني أنه منتج مفيد صحيًّا على عواهنه!! ولا تقصد إطلاقًا الهيئة ذلك، وإنما تقصد مأمونية المكونات الداخلة في تركيب المنتج من حيث الجراثيم المُمرضة والمواد السامة، أو خلوه من أي شوائب ضارة.. أما كونه منتجًا مفيدًا للصحة أم لا فهذا أمر آخر.

وكان على الهيئة الإشارة بشكل واضح لذلك في بيانها.

وللعلم، فمعظم مركزات الفواكه السائلة أو البودرة تحتوي على بعض أو كل تلك الملونات الاصطناعية، مع نِسَب عالية من السكريات، وهي خاوية غذائيًّا في مجملها.

ورسالتي للمجتمع بالتوازن والحد من تناولها قدر المستطاع، والأسلم البحث عن بدائل صحية أخرى.

أما الهيئة فأتطلع منها للتوقف عن نشره، وإعادة صياغته وفق الأدبيات العلمية التوعوية، وإحالة البيان لإدارتها القانونية؛ لدراسة مدى توافقه مع سياسة تعارُض المصالح، والحفاظ على حق المستهلك في المعرفة الشاملة والمتكاملة، دون إفراط في الحديث عن مأمونية بعض المواد.

وختامًا، فنقدي لا يعني إطلاقًا التقليل من دور الهيئة المميز والضخم في الحفاظ على سلامة ومأمونية الغذاء في السعودية، والإسهام في توعية المجتمع.. ولكل جواد كبوة.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org