الإشعاع السعودي للعالم
في هذا العالم دائم التغير، لا تتوقف الدول عن التنافس والتقاتل أحيانًا، من أجل حماية مصالحها الوطنية، وإثبات وجودها ومكانتها وممارسة دورها تحت الشمس. وهي تفعل ذلك باستخدام كل الوسائل والأدوات الممكنة المتوافرة لديها، والتي هي في الأساس نتاج الفكر الإنساني والبحث الدؤوب لتحسين جودة الحياة أو تدميرها.
وضمن هذا السياق، ينشغل العالم هذه الأيام بمباريات كأس العالم لكرة القدم 2022 الجارية في قطر، وهي مباريات ترتكز في الأساس على الرشاقة البدنية والمهارة في ممارسة اللعبة بعد سنوات من التدريب الميداني المضني على فنون اللعبة وقوانينها.
وهذه اللعبة لا تعتمد دائمًا على الحظ؛ بل تعتمد على التخطيط والاستعداد واللياقة والحماسة، ثم اغتنام الفرص واتخاذ القرار في اللحظة المواتية لتسجيل الأهداف. لذلك فنحن نرى أن بعض فِرَق الدول الفقيرة تستطيع التغلب على فِرَق الدول ذات الإمكانيات الكبيرة والعريقة في هذا المجال.
هذا مثال بسيط على محاولات الدول والأفراد للتميز وإثبات الوجود. وقد شاركت المملكة في مباريات كأس العالم باقتدار؛ لكن فريقها الوطني، الذي أبهر العالم بأدائه، لم يحالفه الحظ للاستمرار.
وبالتزامن مع أجواء الرياضة التي تستهوي الملايين، سوف تشهد المملكة مباراة عالمية أخرى تتنافس فيها العقول والأفكار من أجل تحسين حياة البشر والتنمية المستدامة على هذا الكوكب المهدد بمختلف الأخطار الناجمة عن سياسات الدول الصناعية المتقدمة.
في مدينة جدة، وفي الفترة من 10- 14 ديسمبر الحالي، وبرعاية ملكية، سوف تنظم مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة"، المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع برعاية سامية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الأب الروحي لـ"موهبة"؛ حيث كان أول من طرح فكرة تأسيسها في المملكة عندما كان أميرًا لمدينة الرياض.
وقد كانت مؤسسة "موهبة" على مستوى التوقعات والمسؤولية وأثبتت أنها لاعب أساسي في ميدان التطور العلمي والتعليمي في المملكة ونموذج رائد في العالم من خلال اكتشاف المواهب ورعايتها وإعداد البرامج الإثرائية بجوانبها المهارية والأكاديمية وبرامج البحث العلمي، إلى جانب برامج البعثات التي استفاد منها مئات المبتعثين للالتحاق بالجامعات العالمية المرموقة؛ ناهيك عن ترجمة عشرات الكتب عن الموهبة والإبداع من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية.
في هذا المونديال الفكري، سوف تجتمع نخبة من أبرز عقول العالم في مجال الموهبة والإبداع وصناع السياسات والقرارات والمبتكرين ورجال الأعمال، بدعم من شركاء استراتيجيين سعوديين، لطرح حلول إبداعية للتحديات التي تواجهها المجتمعات البشرية. في "رحلة نحو المستقبل الجديد"، وهو شعار هذا المؤتمر الفريد، سوف يشارك الشباب السعودي المبدع والموهوب مع نظراء لهم في العالم في بناء منصة تجمع الموهوبين من كل أنحاء العالم، لتكون نموذجًا رائدًا لمنصة تفكير عالمي جمعي مبدع، يمكّن شباب العالم من العمل على صناعة مستقبل العالم الجديد، كما تقول الأمين العام لمؤسسة "موهبة" الدكتورة آمال الهزاع.
يأتي هذا المؤتمر العالمي ضمن مسار رؤية المملكة 2030 ووفاءً بوعد من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: "سنجمع المبدعين والموهوبين من كل العالم لصنع شيء مختلف". وهذا الشيء المختلف هو صناعة أفكار سعودية نقدّمها للعالم لتعود هذه الأرض مركز إشعاع حضاري مثلما كانت يوم انطلقت منها رسالة خلاص البشرية قبل أكثر من 14 عشر قرنًا.
لكن هذه الرسالة بحاجة إلى حاضنة إعلامية حتى تصل إلى مختلف أنحاء العالم؛ فقد حضرت أكثر من 14 ألف مؤسسة إعلامية لتغطية مباريات كأس العالم ٢٠٢٢؛ لذلك نتمنى من ماكينتنا الإعلامية بمختلف أذرعها أن تعطي هذا الحدث الاهتمام الذي يستحق.