اشعُروا بهم.. وزيدوا رواتبهم
عجّت وتعج بين الحين والآخر وسائل التواصل الاجتماعي بنقاشات عديدة، وخلال الأيام الماضية كان لرواتب الأطباء نصيب الأسد، وهذا ليس بجديد أو غريب؛ فالأطباء هم مادة دسمة للصحافة ومواقع التواصل منذ زمن.. المصيبة أن النقاش لا يأخذ في الاعتبار المهنة من كافة جوانبها؛ بل يركز على الأخطاء والرواتب.
نتفق إلى حد ما على أن رواتب الأطباء تختلف لعدة عوامل مثل: (التخصص، الخبرة، مكان العمل حكومي أو خاص، سمعة الطبيب، ساعات العمل). على الجانب الآخر تتطلب المهنة مستوى عاليًا من الالتزام، والتواجد على مدار الساعة بما في ذلك العطلات؛ كل ذلك قد يؤدي إلى زيادة عبء العمل المتطلب؛ وبالتالي الإرهاق والتأثير سلبًا على رفاهية الأطباء المزعومة.
قد ينسى أو يتناسى البعض أن الطبيب لم يصل إلى ما هو عليه بين عشية وضحاها؛ فقد أمضى في الكلية ست سنوات عجاف ذاق فيها الأمرّيْن عقليًّا وجسديًّا، تخرج بعدها، وبدلًا من سبع سنبلات خضر قد يُمضي بضع سنوات يابسات يأكلن صحته وعافيته وعلاقاته الاجتماعية براتب متدنٍّ بين الإقامة والتخصص الدقيق (هذا إن وجد برنامجًا أو بعثة).
بعدها تبدأ تحديات المهنة؛ تحديات من نوع آخر أبرز ما فيها مريض لا يحترمه، وإدارة تحاربه وتطلب منه لبن العصفور، ومجتمع يحسده على ما ليس له، وإعلام يطارده ويتصيد أخطاءه، وزميل ربما يتمنى له الضرر؛ متناسين الالتزام والجهد المبذول، أو المهنية والموهبة ومدى الرضى الوظيفي الذي يعيشه.
يعاني بعض الأطباء من التقليل من قيمتهم، وارتفاع معدلات الإرهاق، ومشكلات الصحة العقلية، وساعات العمل الطويلة وجداول العمل غير المنتظمة؛ ناهيك عن بعض الأعمال الإدارية، ومستويات عالية من التوتر والضغط، والوقت المحدود للهوايات والاهتمامات الشخصية، وقوانين العمل وسوء التصرف والحاجة المستمرة لمواكبة التقدم في علوم الطب،.
أما الرواتب العالية فلا تعتقدوا أن تحت القبة شيخًا؛ فالأعباء المالية تُثقل كاهله، وتهدد حياته يوميًّا بأزمات اقتصادية خلقت وتخلق كثيرًا من المشاكل والقلاقل الأسرية والاجتماعية، وقد تؤدي به للوقوع في أزمات مالية معقدة؛ لتصبح حياته دينًا في دينًا؛ فالسيارة تقسيط، والبيت إيجار، وتعليم الأولاد بالجمعية، ومصاريف البيت على النوتة؛ ناهيك عن التزامات الوجاهة المجتمعية (غداء ضيفه ذبيحة وليست دجاجة).
الحمد لله أن دراسة الطب لدينا مجانية؛ فوفقًا للدراسة التي أجرتها Weatherby Healthcare (وكالة متخصصة في تعيين الأطباء ومساعدي الأطباء والممرضات الممارسين)، هناك ما يقرب من ثلثي الأطباء الممارسين ما زالوا يحملون ديونًا من كلية الطب، (32% ديون متبقية تزيد على 250 ألف دولار).
وفي استطلاع لأكثر من 500 طبيب تخرجوا جميعًا من كلية الطب في عام 2015 أو قبل ذلك، قال 65% إنهم ما زالوا يتحملون ديونًا من كلية الطب، من هذه المجموعة كان لدى 80% أكثر من 100000 دولار في الديون المتبقية.
الأمر الآخر ماذا قدمنا لتعزيز ثقافة الاحترام والتقدير للأطباء داخل مؤسساتنا الصحية (قصص الاعتداء على الأطباء تنافس حكايات ألف ليلة وليلة)، هل يتم التواصل معهم بشكل منتظم، هل يتم تقديرهم والاعتراف بمساهماتهم، أو إشراكهم في صنع القرار؟ هل تم خلق بيئة عمل داعمة ومحترمة؟ وهل من حل لديونهم؟
عزيزي المسؤول..
الأعزاء أفراد المجتمع..
دعونا نبدأ إجراءات للحد من مهاجمة الطبيب، نعزز ثقافة احترامه، وتكريمه، وتقدير جهوده، وتزويد الطبيب بأنظمة الدعم المناسبة، وتنفيذ تدابير لتقليل عبء العمل والأعمال الورقية، وتوفير مزيد من فرص التدريب والتعليم الطبي المستمر، وحمايته من العنف ومحاسبة المعتدين، وتوفير الدعم النفسي والمهني للأطباء.. وقبل هذا وبعده زيادة رواتبه وتحسين ظروف عمله.
إن تحسين ظروف الأطباء سينعكس إيجابًا على الرعاية الصحية المقدمة للمرضى. فلنعمل معًا لدعم الأطباء وتقديرهم.