يمثل الشغف الروح التي تُحفِّز الإنسان على القيام بالعمل الموكل إليه على أكمل وجه، برغبة قوية في الإجادة والتميز.. وهو الدافع الذي يجعله يقوم بعمله وهو يحس بأعلى درجات المتعة، وكأنه يمارس هواية من هواياته وليس عملاً معتادًا. وبالمقابل فإن فقدان الشغف يجعل الموظف كأنه أداة تقوم بعمل روتيني بدون أي إحساس أو رغبة في التفوق، بل إنه يمضي وقته في العمل وكأنه في مهمة يقوم بها رغمًا عنه، ودون إرادته؛ لذلك يتحول إلى كيان فاقد للرغبة في الإبداع أو الطموح.
وإذا ما أنعم الله على الإنسان ببيئة عمل محفزة، وقيادة طموحة، تعرف كيفية استنفار قدراته واستنهاض طاقاته، فإنه يصحو من نومه في قمة النشاط، ويشعر برغبة جارفة في الذهاب إلى مكان عمله، وكأنه ذاهب إلى نزهة أو رحلة؛ لذلك فإنه يكون في هذه الحالة أكثر قدرة على إحراز نجاحات نوعية، تضيف الكثير إلى سجله المهني، وفي الوقت ذاته تحقيق الإضافة الإيجابية المطلوبة لمكان العمل.
وليصل الموظف إلى هذه المرحلة فإنه لا بد له من توافُر المعينات التي تعينه على النجاح، وتفتح أمامه الآفاق للتطور. ولا أعني هنا مجرد الأدوات المكتبية أو الأجهزة الإلكترونية، بل أقصد البيئة السليمة، والقيادة الملهمة التي تستطيع الأخذ بأيدي موظفيها، ودفعهم نحو مراقي الترقي، وتهيئتهم للإبداع.. فالقيادة كما يُعرِّفها علماء الإدارة هي القدرة على تفجير طاقات العاملين في المؤسسة، وهي أولى حلقات النجاح التي لا يستطيع الموظفون بدونها تحقيق الإنجازات المطلوبة.
كذلك فإن بيئة العمل الإيجابية هي التي تقوم فيها مقاييس الترقي والتطور على الإنتاج والرغبة في تقديم المزيد، وتخلو من عوامل الصراع الإداري، وتبذل فيها الإدارة مجهودًا مضاعفًا لإشعار الموظفين بالطمأنينة، وتولد في دواخلهم الرغبة في بذل جهود إضافية.
ومن الآثار الإيجابية لشعور الموظف بالشغف التحفيز الذي يشعر به؛ إذ يميل إلى أداء المهام الموكلة إليه بنشاط وهمة، والشعور بالشجاعة للإفصاح عن أفكاره الإبداعية لتطوير العمل، والابتعاد عن النمطية والروتين، وتقليل نسبة الغياب، وزيادة الولاء للمؤسسة، والميل إلى البقاء فيها لأطول فترة زمنية ممكنة، والموافقة على العمل الإضافي، وبذل مجهود أكبر.. وكل ذلك يؤدي في النهاية إلى زيادة الإنتاجية.
أما المؤسسات التي تخلو من البيئة الإبداعية الداعمة للموظفين، والتي تكثر فيها الصراعات الإدارية أو الممارسات السالبة، فهي تقتل روح الإبداع لدى موظفيها، وتُشعرهم بالنفور، وتدفعهم إلى البحث عن بيئة عمل أخرى، ولا تولد فيهم مشاعر الولاء والانتماء لها.. وكل ذلك يؤدي إلى فقدانهم الإحساس بالشغف.
أعود وأكرر بأن زرع المشاعر الإيجابية في بيئة العمل يتيح للرؤساء ورجال القطاع الخاص الفرصة لتنمية أعمالهم، وتطويرها، والوصول بها إلى أعلى درجات النجاح، شريطة أن يأخذوا في اعتبارهم أن العاملين لديهم هم جزء أساسي من النجاح، وعنصر رئيسي، لا يمكن بدونه تحقيق أي من الأهداف المطلوبة؛ ولذلك فإن من الأهمية التعرف على وجهات نظرهم، وإشعارهم بأنهم جزء أصيل من صناعة القرار، وليس مجرد آلات للتنفيذ.
كذلك ينبغي فتح قنوات تواصل معهم للتعرف على مشكلاتهم، وإشراكهم في حلها، وكذلك توفير الدورات التدريبية التي ترفع كادرهم الوظيفي، وتطور مهاراتهم، وتثري تجاربهم وخبراتهم، والاهتمام بصحتهم النفسية، وتمكينهم من اكتساب الحماسة والشغف، عندها فقط سيتحولون إلى عناصر بناء إيجابية، تُسهم في ترقية العمل، وتحقيق النجاح.