بين وصايا الأب ومدرسة الأمير.. قصة بناء لا تنتهي
لم تكن بداية ماجد بن أحمد آل حسنة مجرّد دخول إلى الوظيفة العامة، بل كانت انطلاقة مشروع وطني وشخصي تشكّل بين وصايا أبٍ حكيم ومدرسة أميرٍ ملهم.
قبل أكثر من عقدين، خطا ماجد أولى خطواته المهنية في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، تحت قيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، الذي لم يكن بالنسبة له مجرد رئيس، بل كان مدرسة حقيقية في الوطنية والانضباط والإتقان المؤسسي. ومن تلك المدرسة، تعلم أن العمل من أجل الوطن ليس وظيفة، بل رسالة.
البدايات.. ورسالة الأب وفي عام 2000، وبينما كان ماجد يتهيأ لبداية الطريق، تلقى من والده رسالة قصيرة، لكنها كانت بمثابة دستور حياة. قال فيها: “احضر مبكرًا للعمل، لا تفشِ أسراره، لا تتذمر من التوجيهات، احترم مديرك واجعله كولي أمرك، ولا تقل: صعب لا أقدر…”
تلك الكلمات البسيطة ظلت تسكن وجدانه، وترافقه في كل مرحلة من مراحل مسيرته، فكانت تذكّره دومًا أن القيم لا تُدرّس في القاعات، بل تُزرع في البيوت.
من هيئة السياحة إلى صدارة الإنجاز تدرّج ماجد في مهامه منذ أن عمل في إدارة دعم المؤسسات، منسّقًا للبرامج ومشرفًا على زيارات الوفود الدولية، حتى أصبح أحد الأعمدة التي أسهمت في تطوير قطاع السياحة والتراث الوطني.
وبين اجتماعاته الميدانية وتفاصيل العمل الدقيقة، كان حاضرًا في فرق العمل التي أدخلت سبعة مواقع تراثية سعودية إلى قائمة اليونسكو العالمية، مسجلاً بذلك بصمة وطنية ستظل باقية في ذاكرة الإنجاز.
وفي تلك السنوات، صقل خبرته بأكثر من 153 شهادة مهنية دولية ومحلية، وبرز كوجه إعلامي مؤسسي يتحدث بلغة الوطن للعالم، حاملاً روح الأمير سلطان بن سلمان في العمل والالتزام، وروح والده في الصدق والإخلاص.
مرحلة التحول والريادة بين عامي 2013 و2017، كان ماجد على موعد مع مرحلة جديدة من التطوير والإبداع، إذ تولّى قيادة الإعلام والعلاقات مع المستثمرين، مطلقًا مبادرات توعوية مثل “اعرف حقك”، وأدار الحملات الدولية، وأسّس بوابات تفاعلية للمستثمرين في القطاع السياحي، ليجمع بين الإعلام والاقتصاد في منظومة واحدة.
ولأن التجارب تصقل القادة، انتقل بعدها إلى إدارة المتحف الوطني السعودي، فحوّله من صرح ثقافي إلى تجربة مجتمعية نابضة بالحياة. أطلق مبادرات خلاقة، أبرزها استضافة السفارات الأجنبية لإقامة أيامها الوطنية في أروقة المتحف، وجعل من الثقافة جسراً للتواصل الإنساني، ومن المكان ملتقىً بين الأصالة والانفتاح.
في قلب الأزمات.. قائد اتصال ،وفي مرحلة لاحقة، تولّى منصب المدير التنفيذي للاتصال الاستراتيجي في شركة تطوير لتقنيات التعليم “تتكو”، حيث برز كأحد أبرز القادة الإعلاميين خلال جائحة كورونا.
قاد استراتيجية التواصل للأزمة، وأدار حملات التوعية والتطعيم، وأسّس مركزًا موحّدًا للهوية البصرية، وأطلق أول مؤتمر وطني للبحث والابتكار، مؤكدًا أن الأزمات ليست نهاية الطريق، بل بدايات جديدة للابتكار.
ثم انتقل للعمل مستشارًا في الهيئة العامة للترفيه، حيث شارك في تنظيم وتوجيه الاتصال لموسم الرياض الثاني، وأسهم في رسم الصورة الحديثة للسعودية أمام العالم، قبل أن يواصل مسيرته مستشارًا اتصال مؤسسي في الشركة السعودية للكهرباء، وكاتبًا في صحيفة “سبق”، يطرح فيها رؤاه المهنية والاجتماعية بصوتٍ وطني متزن.
من الإعلام إلى الغطاء النباتي، وفي عام 2022، بدأ فصلاً جديدًا في مسيرته حين التحق بالاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، حيث أنشأ إدارة العلاقات العامة والمؤثرين من الصفر، وقاد تغطية فعاليات عالمية كـ LEAP وBlack Hat وCityscape، وأطلق حملات لافتة مثل مبادرة “تشات جي بي تي السعودي”.
واليوم، يقود ماجد منظومة الاتصال والعلاقات في المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، حيث يجمع بين البيئة والإعلام في معادلة واحدة عنوانها “الوعي والاستدامة”.
يقود فرق العمل لبناء الصورة الذهنية للمركز، ويشرف على التواصل المؤسسي، والفعاليات الوطنية، ومكتب المتحدث الرسمي، مؤمنًا أن القصة البيئية لا تُروى إلا بلغة الإنسان والالتزام الوطني.
والتكريم والتميز لم تكن رحلة ماجد خالية من التقدير، فقد نال جائزة أفضل مدير علاقات عامة على مستوى الشرق الأوسط عام 2019، تقديرًا لجهوده في تطوير الاتصال المؤسسي الإقليمي.
وفي عام 2025، توّج مسيرته بحصوله على جائزتين من اتحاد رواد العرب: جائزة ملهم للقيادة ،وجائزة ملهم العلاقات العامة والبروتوكول ليؤكد أن مسيرة الشغف والعمل المتواصل لا تمر دون أن تُثمر تقديرًا يليق بمن يزرع الأثر.
بين الإنسان والمسيرة، ورغم الامتيازات والجوائز والمسؤوليات، يبقى ماجد وفيًا لفِرقه التي رافقته في كل محطة، مؤمنًا أن “النجاح لا يُكتب باسم شخص، بل بتوقيع فريق”. فكل انتقال في مسيرته كان وداعًا صعبًا، لكنه أيضًا تجديد للعهد مع الطموح.
إلى جانب عمله، يواصل ماجد دوره كمستشار وشريك في عدة شركات علاقات عامة، ويشغل موقعًا قياديًا في الجمعية الدولية للعلاقات العامة – فرع الخليج، حيث يشرف على برامج التطوير المهني وبناء جيل جديد من المختصين في الاتصال.
أفق الطموح حصل ماجد على درجة الماجستير في الإعلام والعلاقات العامة من جامعة لانكستر البريطانية، إلى جانب دبلومات في إدارة الأعمال والبروتوكول الدولي، وهو مؤسس مجموعة الخليج للعلاقات العامة والإعلام، وعضو في العديد من الجمعيات المهنية.
وبعد كل هذه المحطات، يظل الحلم مفتوحًا. فبين وصايا الأب ومدرسة الأمير، تظل “قصة البناء” التي بدأها ماجد آل حسنة رحلة لم تنتهِ بعد.
رحلة تؤمن أن القيادة ليست منصبًا، بل أثرٌ يُترك، وفكرٌ يُبنى، ورسالةٌ تُكمل ما بدأه الآباء والأمراء من أجل وطنٍ لا يتوقف عن النهوض.