من القصيبي الى الكواري ..حتى وصول العناني
(حلم والا علم ) ذلك ما رددته بصوت عالي فوز قراءتي لخبر فوز المصري خالد عناني بقيادة اليونسكو ،فهذا الخبر له دلالات أكبر بأن العرب أخيرا اتفقوا على أن يتفقوا،ففي السادس من اكتوبر تم الاعلان عن فوزه وكأن هذا التاريخ (وش خير) كما يقولونها بلهجة أهل مصر فهو يعيد انتصارا جديدا لمصر،ولكن هذه المرة للعرب جميعا فتلك اللحظة كانت بمثابة تتويج لحلم عربي أمتد لعقود من الزمن،حاول خلالها العرب مرارا الوصول الى هذا المقعد الدولي لكن الانقاسمات والانجذابات حالت دون ذلك.
فمنذ تأسيس اليونسكو خاض العرب أكثر من محاولة لاعتلاء منصبها الأعلى ،وكان أولها عام 1999 عندما ترشح الأديب والدبلوماسي الراحل غازي القصيبي،حيث دخل القصيبي السباق مدعوما من جامعة الدول العربية ،وحظى حينها بتأييد واسع من المثقفين العرب لكونه يجمع بين الفكر والأدب والسياسة ولكن النتيجة لم تكن كما تمنى اذ خسر السباق لصالح منافسه الياباني،وهوما اعتبره القصيبي لاحقا "درسا قاسيا في أهمية الوحدة العربية "كتب بعد هذه التجربة مقالة حملت عنوان اليونسكو دروس الفشل "، أكد فيها أن تشتت الأصوات العربية وغياب التنسيق الدبلوماسي كانا السبب الحقيقي وراء الهزيمة قائلا" أن المعركة كانت تحتاج الى موقف عربي واحد لا يتجزأ"
مرت السنوات وجاءت المحاولة الثانية البارزة من الخليج ايضا،وهذه المرة من قطرعبرمرشحها الأديب والدبلوماسي حمد عبدالعزيز الكواري في عام 2017، حيث أعلنت الدوحة رسميا ترشيحه وسط حملة دبلوماسية ضخمة سعت لإقناع الدول الأعضاء بأن الوقت قد حان لأن يتولى عربي قيادة المنظمة، قدم الكواري نفسه بجدارة كصوت للثقافة والدبلوماسية الثقافية التي يتميز بها بل ويبدع فيها ايما ابداع ،وأطلق برنامجا بعنوان " نحو نهضة انسانية جديدة " الا أن المنافسة كانت شديدة ولم تخل من الحسابات السياسة ، خسر الكواري بفارق صوت واحد أمام منافسته الفرنسية،وفي تصريح مؤثر له بعد النتيجة قال كان الحلم قريبا، لكن بعض اخوتنا العرب آثروا مصالحهم الضيقة على الحلم العربي المشترك "وأضاف"الترشح كان مشروعا حضاريا للعرب جميعا لا لدولة بعينها " لاحقا ،دون تجربته في كتابه " وظلم ذوي القربى كاشفا عن كواليس المنافسة والضغوط التي مورست على بعض الدول لتغيير موقفها ،وحين سألته شخصيا هل سيتم ترجمه هذا الكتاب كباقي كتبه ؟ اجاب بحزم " أبدا لأن العالم عليه ان لا يتفرج على خلافات الأشقاء العرب،وشدد بأنه مؤمن بأن اللحظة العربية ستأتي يوما ما.
ويبدو أن اللحظة جاءت،وأن المحاولة الثالثة ثابتة هذه المرة ،مع فوز العناني وفي كلمته الأولى بعد فوزه قال "هذا الانتصار ليس لمصر وحدها بل لكل عربي آمن بالثقافة والتعليم كطريق نحو المستقبل " وكان أول المبادرين بتهنئنته د.الكواري في لفتة راقية عبرت عن نضج العروبة وان الثقافة لا تدار بالمنافسة بل بالتكامل .
كانت رحلة طويلة ومليئة بالدروس مهدت ارضيتها محاولات الخليج من تجربة القصيبي التي علمتنا أن الطموح بلا وحدة لا يكفي الى تجربة الكواري التي أثبتت أن الصوت العربي يمكن أن يسمع اذا توحد العرب ،واليوم مع العناني نضج العرب واتفقوا وها هو صوتهم في أروقة اليونسكو يرتفع ،كحضارة عربية تستحق ان تقود الثقافة العالمية