الموظف القرد: بطل البيروقراطية الأول

تم النشر في

في كل مؤسسة، في زاوية منسية أو مكتب فاخر، يختبئ كائن غريب لا يُرى كثيرًا في وقت الإبداع، لكنه حاضر دائمًا عند توزيع التقدير.

هذا ليس موظفًا عاديًا.

هذا هو: “الموظف القرد”.

رمز التكيّف الوظيفي الفائق، والبطل الصامت في مسرحيات الاجتماعات الطويلة.

يتسلق لا ينهض القرد لا يفكّر، لا يناقش، لا يجادل.

هو فقط يراقب ،يقلد، يبتسم، ويهز رأسه.

إذا ضحك المدير، يضحك.

إذا غير رأيه، يصفق مرتين بدل واحدة.

ولو قال المدير إن الشمس تطلع من الغرب؟

يرد القرد بحماسة: “وأنا شفتها اليوم الصبح!”.

هو ماشي على مبدأ: “لا تكن صح، كن متوافق.”

وإذا سألوه عن رأيه؟

ينطق الجملة الذهبية:

“أنا مع أي توجه تقرره الإدارة.”

بطل الاجتماعات أسير الخوف

في الاجتماعات، القرد أول الحاضرين وآخر المعلقين.

ما عنده لا فكرة ولا تحليل، لكنه بارع في فن التطبيل.

“رائع يا سعادة المدير”

“رؤية ثاقبة والله”

“هذا الكلام اللي يثلج الصدر”

واللي يقهر أنه أول من يعارض أي فكرة جديدة مو لأنه فاهم، بل لأنه يخاف من كل ما هو مختلف.

وإذا جاء زميل طموح واقترح تطوير حقيقي؟

يرد القرد:

“والله الفكرة ممتازة… بس يمكن مو وقتها نخاف تسبب ربكة في الأنظمة.”

وطبعًا، تُقتل الفكرة قبل أن تولد.

وفي ساعة العاصفة يختفي وقت الأزمات، لما تحتاج المؤسسة لأفكار، لمواقف، لقرارات ، القرد يلبس عباءة الشفافية، ويذوب.

لا له وجود، ولا له صوت، ولا له فائدة.

لكنه بعد ما تهدأ العاصفة، تلقاه أول من يبارك، وأول من يطالب بمكافأة.

المدير يحب القرد؟ أحيانًا، للأسف، بعض المدراء –اللي ما زالوا عايشين في عهد “نفّذ ولا تعترض”– يحبون القرود.

يحبون الموظف اللي ما يزعجهم بأسئلة، ولا يقترح حلولًا، ولا يطلعهم على الأخطاء.

لكن المدير الحقيقي؟ القائد الفعلي؟

يعرف إن “الموظف القرد” خطر ناعم، يقتل روح الفريق، ويشجع على الصمت، ويمنع المؤسسة من التقدم.

خاتمة غير سعيدة للقرد… وسعيدة لنا الزمن تغيّر، المؤسسات اليوم ما تبغى بس موظف يسمع الكلام، تبغى عقل، تبغى رأي، تبغى إنسان يفكر ويبدع ويختلف.

و”الموظف القرد”؟ مكانه الطبيعي في المتحف مو في قائمة الترقية.

الرسالة لا تصير مرآة تعكس المدير، كن نافذة تفتح له آفاق جديدة، ولا تصير قرد يردد كن إنسانًا يصنع الفرق.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org