كنت أحضر "كورس" لعلاج الألم في جامعة هارفارد عام 2019م (قبل جائحة كورونا)، لفت انتباهي طبيب يدعى د.بيتر كيرني ويبلغ من العمر ٨٣ عامًا، عَمِل بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض قبل ٤٢ عامًا كاستشاري جراحة أعصاب.. وعلى الرغم من تجاوزه الثمانين ربيعًا وإصابته بالرعشة؛ إلا أنه ما يزال يعمل في علاج الألم.
وفقًا لإحدى الروايات الطبيب هو الطفل الخالد، كائن من عالم آخر يتمتع بقدرات تجديدية تفوق بكثير قدرات أمراء الزمان، والشيخوخة تجلب معها درجة كبيرة من التباين؛ فإذا تفحصت مجموعة من الأشخاص ممن تقدم بهم العمر ووصلوا للثمانين أو تجاوزوها؛ فربما تجد تنوعًا أكبر بكثير مما هو عليه لمجموعة من الأشخاص في سن 40 عامًا؛ مثلما قد يفقد بعض الرياضيين المسنين درجة من السرعة والقوة والمرونة، ويفقد بعض العلماء المتقدمين في السن جزءًا من سرعتهم المعرفية السابقة والمرونة والقوة العقلية؛ يمكن لمقدمي الرعاية الصحية المسنين أن يفقدوا بعضًا من التنسيق البدني والقوة، والحدة البصرية اللازمة لأداء العمليات الجراحية الصعبة.
واختيار السن التعسفي للتقاعد الإلزامي؛ ليس هو النهج الصحيح للأطباء وبدلًا من ذلك إنشاء برامج فحص للممارسين من كبار السن.
تشير أحدث دراسة لرابطة الكليات الطبية الأمريكية (AAMC) إلى وجود عجز يتراوح بين 38 إلى 124 ألف طبيب بحلول عام 2034، (48 ألف طبيب رعاية أولية و77 ألف طبيب متخصص)، وهذا يعزز الحجج لإبقاء الأطباء الحاليين يمارسون لأطول فترة ممكنة.
ووجدت الدراسة أن أكثر 40% من الأطباء النشطين سيكونون في سن 65 أو أكثر خلال العقد القادم. على الرغم من أن خطط التقاعد لكل طبيب ستتأثر بالعديد من العوامل؛ يلاحظ التقرير تزايد المخاوف بشأن نضوب الطبيب، وسيكون الأطباء أكثر عرضة للإسراع في التقاعد.
متوسط سن التقاعد من النشاط السريري لأطباء الرعاية الأولية هو 65؛ وفقًا لتقرير صادر عن الأكاديمية الأمريكية لأطباء الأسرة، وقد تضاعف عدد الأطباء الذين تزيد أعمارهم على 65 عامًا والذين يمارسون الطب بنشاط أربع مرات من 1975 إلى 2013. في عام 2016 أفاد تعداد اتحاد المجالس الطبية الحكومية أن عدد الأطباء المرخصين 70 عامًا وما فوق بلغ قرابة 95 ألف.
في كندا تشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2026، سيكون 20٪ من الأطباء بعمر 65 عامًا أو أكثر، وفي إيطاليا (عام 2019) ما لا يقل عن 20٪ من الأطباء يبلغون من العمر 65 عامًا وأكثر، وفي فرنسا هناك 14٪ من الأطباء في عام 2019 في عمر 65 عامًا وأكثر.
لكن كم من الأطباء يجب أن يفكر في التقاعد؟ هل الحكمة والخبرة المكتسبة تفوق التدهور البيولوجي للشيخوخة؟ لنتذكر كيف أدت دعوة الوباء للأطباء للعودة إلى أماكن العمل، إلى تغيير المعادلة.. الطبيب عادة ما يبدأ حياته المهنية متأخرًا إذا ما قورن بزملائه في المهن الأخرى؛ فهو عادة ما يحتاج إلى ما لا يقل عن عشر سنوات في دراسة الطب والتخصص وربما التخصص الدقيق.
قبل بضع سنوات كشفت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية أن عدد الأطباء السعوديين المصنفين من قبلها، يبلغ 13 ألفًا، مقابل 28 ألف غير سعودي فيما بلغ عدد الأطباء السعوديين وغير السعوديين المتخصصين وغير المتخصصين حاليًا 93.966 طبيبًا وطبيبة؛ منهم 25.249 طبيبًا سعوديًّا مقابل 68.717 طبيبًا غير سعودي.
ومنح وزير الصحة صلاحية تمديد خدمة الطبيب الاستشاري بعد بلوغه السن المنصوص عليه في نظام التقاعد حتى 70 عامًا بشروط خمسة (أن يكون تمديد الخدمة له بشكل سنوي، لائقًا طبيًّا، وعدم التكدس في نفس التخصص، وأن تكون رخصته المزاولة سارية المفعول، وأخيرًا أن يكون ممارسًا لعمله الإكلينيكي).
إذا تقاعد الطبيب وهو ما زال قادرًا على العطاء؛ فماذا عليه أن يفعل؟ وإلى أين يتجه؟
لن أقول لك سينشغل بمناكفة الأسرة خاصة أم العيال، وربما يشمر ساعديه ليتولى شؤون الطبخ منتقدًا ما ابتلعه لعشرات السنين وواعدًا بالألذ والأشهى، وربما يسعى جاهدًا لتوفير الفواتير من خلال ملاحقة اللمبات وأفياش الكهرباء والماء، وإن كان ميسور الحال فلن تجده يتزلج على الأمواج، أو يمارس رياضة اليوغا.
وإن كان محبًّا للعمل ووجد الفرصة فربما يتجه للعمل بنظام الطبيب الزائر إن سمحت الشروط، أو ربما طبيب ممارس (على خفيف) أو إداري في القطاع الخاص، وربما متطوع مجتمعي، وإن سمحت القوانين ربما طبيب عن بُعد أو يمارس التعليم كمتعاون.
عزيزي القارئ..
عزيزي المسؤول..
عزيزي الطبيب..
برأيك ماذا يفعل الطبيب ابن الستين عامًا ذي النشاط والحيوية بعد التقاعد؟