جدل كثير تثيره قرود "البابون" التي تنتشر بكثرة في العديد من المناطق السياحية في الطائف وعسير والباحة، وغيرها من المدن؛ وذلك لما تُسبِّبه من إزعاج ومضايقات للسياح والمصطافين، وما تُشكِّله من مخاطر كثيرة على صحتهم وسلامة عائلاتهم، ولاسيما الأطفال؛ وذلك بعد وقوع كثير من حالات الاعتداء التي قامت بها تلك القرود، مثل مهاجمتهم، واختطاف أغراضهم وطعامهم، ووصل الأمر إلى محاولة اختطاف الأطفال.
ورغم أن هذه الحيوانات مستأنسة؛ ولا تميل إلى العدوانية، إلا أن هناك كثيرًا من العوامل التي تدفعها للقيام بتلك التصرفات الخارجة عن إرادتها، وفي مقدمتها اعتياد السياح على تقديم الطعام لها، للدرجة التي جعلتها تتخلى عن طبيعتها في البحث عن الطعام بنفسها، والاعتماد على ما يقدمه لها المارة؛ لذلك عندما تقلُّ كميات الطعام فإنها تلجأ لاختطافه، ومحاولة الحصول عليه بالقوة.
هناك أيضًا جانب سالب لإطعام القرود، يتمثل في تشجيعها على التكاثر؛ وهو ما أدَّى إلى زيادة أعدادها بصورة لافتة خلال الفترة الأخيرة، إضافة إلى تشجيعها على الانتقال من مناطق عيشتها الأصلية في البرية والمحميات ووسط الأشجار إلى المناطق المأهولة بالسكان؛ وهو ما يهدد بانتقال كثير من الأمراض التي ربما تحملها.
وقد وقعت خلال الفترة الماضية حالات كثيرة من اعتداء تلك الحيوانات على المارة بسبب بحثها عن الطعام؛ وهو ما يهدد سلامة الأطفال الذين يميلون إلى اللعب بعيدًا عن عائلاتهم خلال التنزه؛ فقد يقعوا ضحايا لتلك الحيوانات التي تمارس هجماتها في جماعات كبيرة، ربما لا يستطيعون ردها والتصدي لها.
كما قامت جماعات من قرود البابون في مرات كثيرة بتسلق أسوار المنازل، والتسلل داخلها بحثًا عن الطعام، والاعتداء على المارة والزوار، والتسبُّب في تلوُّث بيئي، وإرباك مرتادي الطرق السريعة، والحدائق والمتنزهات العامة، ونشر بعض الأمراض المعدية، ولاسيما ونحن نعيش آثار جائحة كورونا التي يتحور فيروسها بصورة مستمرة، ويتخذ أشكالاً متعددة؛ فقد ازدادت الحاجة لتغيير أسلوب التعامل مع تلك الحيوانات حفاظًا على سلامتنا وعائلاتنا من الإصابة بتلك الأمراض.
ورغم تدشين العديد من حملات التوعية التي تقوم بها الأجهزة المختصة للتوعية بمخاطر إطعام للقرود، أو رمي بقايا الطعام في أماكن قريبة من مناطق وجودها ومعيشتها، إلا أن الأثر الفعلي لتلك الحملات لا يزال دون المأمول؛ إذ يعتقد البعض أن مساعدة الحيوانات في كل الأحوال جزء أصيل من ديننا الإسلامي الحنيف؛ لذلك يتمسكون بما اعتادوا القيام به، ويتناسى هؤلاء أن ديننا الذي يوصينا بحُسن التعامل مع الكائنات الحية كافة يشترط أيضًا عدم جلب الضرر لنا أو لغيرنا.
ومع تزايد حالات الشكوى من انتشار تلك القرود، للدرجة التي صارت تمثل فيها تهديدًا واضحًا لحياة الناس، وللجهود التي تبذلها الدولة لتشجيع السياحة الداخلية، فإنني أرى أننا بحاجة إلى حملة وطنية شاملة، تشارك فيها الجهات كافة ذات الصلة، مثل تنمية الحياة الفطرية، ووزارة الصحة، والبلديات، والجمعيات الأهلية المعنية؛ لوضع استراتيجية شاملة للتعامل مع هذه المشكلة؛ تُسفر في النهاية عن إعادتها لمَواطن حياتها الأصلية في الغابات والمحميات، أو إنشاء محميات خاصة بها، والتحكم في زيادة أعدادها التي وصلت إلى نسبة مخيفة.