القائد الإلكتروني
تخيَّل أن تكون مديرًا لإحدى الشركات منذ عشرين سنة مثلاً.. والشركة تنتقل من نجاح لآخر تحت قيادتك، وتستيقظ ذات يوم وقد أقالوك من عملك؛ لأنك خالي الوفاض من مهارات التقنية، وشبه جاهل بالعملاق التقني الذي يلتهم الوظائف!
إن الإلمام بالتقنية اليوم، وبطريقة توظيفها في الشركات، في الأعمال الصغيرة قبل الكبيرة، ضرورة من الضرورات التي غدت شرطًا أساسيًّا لأي وظيفة في أي درجة كانت؛ لذا فإن المدير الذي لا يصلح لأن يكون قائدًا إلكترونيًّا غالبًا لن يستمر في محله.
التقنية اليوم أساس في حياتنا اليومية، بل تكاد تكون عماد الحياة اليومية السريعة. الهواتف الذكية للتواصل، الإنترنت للبحث والتعلم، لتقديم الخدمات، لإيصال الطلبات، للبيع والشراء.. ومن جراء تضخم التقنية والاحتياج إليها صار اسمها كبيرًا كذلك، فنقول "الواقع الافتراضي".. الكثير من الأصدقاء هناك، الكثير من المتاجر، الكثير من الأشياء التي لا وجود لها على أرض الواقع...!
التقنية والعمل
وعندما يتعلق الأمر بالأعمال فالتقنية باتت تلعب دورًا غاية في الأهمية في المشاريع الصغيرة والكبيرة، وفي تعزيز الإنتاجية، وتحسين الكفاءة، وإدارة المشاريع، وتحسين جودتها.. ولا تخفى عليكم محاسن نُظم العلاقات العامة والبرمجيات الإدارية، وغيرها مما لا تتخلى عنه الشركات اليوم.. وعن طريق ذلك يتصل الأمر اتصالاً مباشرًا بالقيادة في كل عمل.. فمن الضروري أن يكون القائد على اطلاع كبير بآخر التقنيات التي تخص عمله على الأقل، التي يستطيع أن يستفيد منها في نظام الشركة أو في تحسين علاقاتها مع عملائها أو الموظفين.. أو حتى في تعديل السياسات الرئيسية من خلال الاستعانة بالخبرات المتراكمة لدى الذكاء الاصطناعي.. وما إلى ذلك.
يجب على القائد أن يتابع التقنيات والابتكارات المتاحة في مجاله، بل يجب عليه أن يحرص أشد الحرص على توظيف أصحاب الاطلاع على التقنية المواكبين لها. ومتى ما كان القائد رئيسًا على فريق فإن عليه أن يقدم الدعم اللازم لفريقه للإعانة على استخدام التقنية بشكل صحيح ومناسب.
ومع تقدُّم الزمن لن يكون ممكنًا للقائد أن يكتفي بالاعتماد على خبراء التقنية دون أن يكون على علم حسن بها؛ إذ عليه أن يعلم أنه سيكون عليه التواصل مع العملاء والموظفين عن طريق التقنية! ومتابعة الدراسات التحليلية للشركة، وتصميم البيانات، وحفظها، ورفعها على الإنترنت.. وغير ذلك. وإنَّا نوصي كذلك المدير ببعض النصائح التي تفيده في هذا المجال:
أولاً: على القائد أن يكون قادرًا على التواصل بشكل فعال مع فريق العمل الذي يتعامل مع التكنولوجيا.
ويجب على القائد أن يكون قادرًا على فهم لغة التقنية، والتعبير عن نفسه وعما يجب قوله من خلالها بطريقة يمكن لجميع أعضاء الفريق فهمها. كما يجب أن يتمكن القائد من تقديم التوجيهات والإرشادات الواضحة للفريق بشأن كيفية استخدام التكنولوجيا بشكل صحيح.
ثانيًا: من المهم أن يكون القائد قادرًا على تحليل البيانات واستخدامها؛ لاتخاذ قرارات مستنيرة في صالح الشركة؛ إذ تتيح التقنية للشركات جمع بيانات كبيرة بشأن العملاء والمنتجات والعمليات الداخلية.
كما يمكن للقائد استخدام هذه البيانات لتحليل الأداء، وتحديد نقاط الضعف والقوة، واتخاذ قرارات لتحسين العملية.
ثالثًا: على القائد أن يكون دائم القدرة على التكيف مع تطورات التقنية السريعة التي يعيشها العالم، وعليه أن يدرب فريقه وموظفيه على ذلك؛ إذ إن العالم التقني سرعان ما يتغير، وتتغير معادلاته!
رابعًا: على القائد ألا يحسب أن التقنية تبيح له الاستغناء عن مهارات القائد العامة التي يحتاج إليها القائد عادة، لا.. فعلى القائد أن يكون ذا قدرة إدارية عالية، وقدرة على التواصل، وقدرة على الخطابة والإقناع، ويجب عليه أن يكون صاحب نظر ثاقب ونظرة بعيدة، ويجب عليه ألا يفتأ يدرس أحدث النظرات التي تهم شركته وعمله.
باختصار، على القائد أن يكون قائدًا إلكترونيًّا ناجحًا، لكن في الوقت نفسه أن يكون قائدًا.
شركات ناجحة!
من الأمثلة ممكنة الذكر من الشركات التي لاقت نجاحًا باهرًا لما أحسنت استعمال التقنية، شركة أمازون؛ إذ إن أمازون استعملت التقنية بشكل رائع في تحسين الإنتاجية، وطرق التعامل مع العميل، وغير ذلك؛ ما جعلها تتربع على قمة الشركات العالمية.
كذلك شركة أوبر، الشركة العملاقة التي اعتمدت على التقنية بشكل كلي؛ فجعلها ذلك في محط الشركات العالمية.
كذلك الكثير والكثير من الشركات، مثل جوجل، فيسبوك، آبل.. كذلك من الشركات المحلية شركات بنده، العثيم، العربية للعود.. وغيرها الكثير من الشركات، التي لولا أنها سابقت الزمن، واتجهت للتقنية، لحال بينها وبين النجاح ذلك!
التحديات الممكنة
لا ننسى أن نتحدث عن بعض التحديات التي قد يواجهها القائد الإلكتروني أثناء تعامله مع التقنية. من هذه التحديات:
التغيير: التغيير باستمرارية؛ إذ إن ذلك يعدُّ من كبرى العقبات التي قد تواجه المدير الإلكتروني؛ لأن التقنية في تطور مستمر، وعليه أن يواكبها دائمًا.
ضعف الإمكانيات المادية: ويكون ذلك أحيانًا من جراء عدم اقتناع الإدارات العليا بأهمية التقنية؛ لذا كثيرًا ما نجد تقنينًا مجحفًا بحق الصرف تجاه التقنية.
الأخلاقيات والمسؤوليات الاجتماعية: من المهم جدًّا أن نوضح أنه ستترتب على المدير الإلكتروني أخلاقيات ومسؤوليات تتناسب مع التقنية والمنصب الإلكتروني الذي يحتله، ونذكر منها حماية البيانات والمعلومات الشخصية. إن هذا يعد أهم ما يقع على عاتق المدير والشركة التي تستعمل التقنية عمومًا؛ إذ متى ما ظهرت أي بيانات تتعلق بالعملاء فهذا يعدُّ خسارة كبيرة للشركة.
الالتزام بالقوانين: إن التقنية تُمكِّن الشركات من المشاركة في بلدان كثيرة، ومن المهم جدًّا أن تراعي هذه الشركات القوانين والأخلاقيات ضمن هذه البلدان، وإلا أساء هذا إليها.
المسؤولية الاجتماعية: يجب على القادة أن يتحملوا مسؤولياتهم الاجتماعية الجديدة التي ستُفرض عليهم بحكم المجتمع، وبحكم القوانين كذلك، أو الأخلاقيات العامة للتقنية.
ختامًا، ما الذي يجب على القادة لتوجيه شركاتهم نحو مستقبل أفضل؟ كما ذكرنا من قبل، التقنية سريعة التطور؛ لذا على القادة أن يكونوا على استعداد دائم لمواجهة هذا التطور باللحاق به، وأحيانًا يسبقونه؛ فيكون لهم السبق والصيت.
وعلى العموم، يتحتم على القادة أن يكونوا مستعدين للتغير الدائم، والتطوير، والتكيف، والمواكبة لأحدث التطورات التكنولوجية السريعة، وأن يكونوا عاملين دومًا على بناء ثقافة عمل، تشجع العاملين والموظفين على الابتكار والإبداع والاستمرارية في التطوير. كذلك عليهم أن يتحلوا بالرؤى الاستراتيجية الباهرة، وأن يتعاملوا بالشورى والتفكير الطويل لاتخاذ قرارات حاسمة فيما يتعلق بمصائر الشركة؛ لتوجيهها نحو مستقبل أفضل.