طنطورة تأخذ ضيوفها لآفاق الإبداع
بإبهار شديد، وتشويق كبير، تتواصل فعاليات النسخة الثالثة من مهرجان شتاء طنطورة، الذي يُعد الفعالية الثقافية والترفيهية الأطول على مستوى المنطقة؛ إذ يستمر لمدة خمسة أسابيع، ويواصل استقبال ضيوفه من عشاق الترفيه والثقافة والرياضة، بتنوع فريد في الفعاليات التي تُرضي الأذواق كافة، وتتنوع بين الموسيقى وإبداعات الأوركسترا الوطنية السعودية التي أبهرت الجميع بحرفية أفرادها ومهاراتهم العالية، وليالي الطرب العربي التي يحييها مجموعة من الفنانين السعوديين والعرب البارزين؛ وهو ما يتيح الفرصة لتمازج فني بين المدارس الفنية العربية.
ولأن اللغة العربية هي روح المكان، وأصل الهوية، فإن فعالية "العلا بالعربي"، التي تستمر شهرًا كاملاً، تمثل واحة يلجأ إليها عشاق لغة الضاد المفتونون بالبلاغة وأصالة الثقافة الشرقية؛ إذ تزدحم ورش العمل والمعارض وندوات الحوار والعروض المباشرة؛ وهو ما يتيح لضيوف المهرجان من العرب وغيرهم فرصة الغوص في بحور هذه اللغة، واكتشاف إسهاماتها وتأثيرها على الفن والأدب والموسيقى والمجتمع.
وتتكامل مع هذه الفعالية "ليلة الشعراء" التي تسلط الضوء على أبرز المواهب العربية الشعرية، بمشاركة مجموعة من الشعراء والفنانين الذين يقدمون عصارة إبداعاتهم تحت سماء العلا.
ولم تخلُ برامج المهرجان من الترويج للمنتجات المحلية؛ إذ يبرز مهرجان العلا للحمضيات الذي يأتي في ذروة موسم الحصاد، ويمنح الضيوف فرصة فريدة للاستمتاع بالفواكه مباشرة من المزارعين، وتذوُّق أصناف العصائر الطازجة.
وهناك أيضًا في الإطار ذاته تافوني العلا، الذي يستعرض القطع الراقية لمصممين من السعودية والوطن العربي.
هذا بالإضافة إلى البرامج والمسابقات الرياضية المخصصة للكبار والصغار على حد سواء.
القاسم المشترك الأساسي بين تلك الفعاليات هو الترويج للمملكة بوصفها وجهة المستقبل، وأرض الفرص الواعدة، والتعريف بالمناطق السياحية والمواقع التاريخية التي خصنا بها الله سبحانه وتعالى، والاستفادة من كل ذلك لتنويع اقتصادنا، وإيجاد مصادر دخل مستدامة وجديدة بعيدًا عن النفط ومشتقاته.
ولأن النجاح هو نصيب كل مجتهد، فقد تحول المهرجان الذي لم يمضِ على إطلاق النسخة الأولى منه خمس سنوات إلى وجهة عالمية، يقصدها الزوار من كل أنحاء العالم، بعد أن حققت النسخة الأولى نجاحًا غير مسبوق، ودفعت عشرات الملايين إلى محركات البحث الإلكترونية لمعرفة المزيد عن منطقة العلا، وما تضمه من إرث تاريخي عالي القيمة؛ ونتيجة لذلك الإقبال الخرافي فقد تدافع المستثمرون من داخل السعودية وخارجها لإنشاء مشاريع في قطاع الضيافة والفندقة؛ لاستيعاب آلاف الزوار.
وإن كانت هناك جهة نتوجه لها بالإشادة فهي -بدون شك- الهيئة الملكية للعلا التي سخرت إمكاناتها كافة لإنجاح هذه الفعاليات الفنية والثقافية والاقتصادية والرياضية الفريدة.. فلم يكن يدور بذهن أكثر المتفائلين أن بالإمكان تنظيمها بأيدٍ سعودية خالصة، لكن الأماني تحققت، والأحلام تجسدت؛ لنثبت للعالم أجمع مقدار ما تتمتع به كوادرنا الوطنية الشابة الموهوبة من مقدرات استثنائية ومهارات نوعية، طالما وجدت بيئة صالحة للعمل، وقيادة واعية، تتقن فن توجيهها نحو مراقي المجد والتقدم؛ لتقدم في الآخر منتجًا بالغ الروعة، استطاع رسم الدهشة فوق وجوه متابعيه.
ومن كبرى مزايا المهرجان على مر دوراته السابقة أنه في كل عام يأتي هؤلاء الشباب المبدعون بأفكار جديدة، ويضعون معايير جديدة للإبداع، ويرسمون لوحة متكاملة من التفرد والروعة والاتقان، بعد أن توفَّر لهم معينات النجاح كافة، وملأ الشغف دواخلهم.
حتمًا ستتواصل مسيرتنا نحو قمم النهضة والازدهار؛ لتصبح السعودية التي حجزت لنفسها مكانة متميزة وسط مواطن الفن والإبداع أكثر قدرة على استقطاب أبنائها الذين يسافرون سنويًّا إلى الخارج بحثًا عن لحظات سعادة ومتعة، وستجتذب الآلاف من أبناء الخليج ودول العالم كافة؛ ليشاهدوا بأعينهم كيف أن الإنسان السعودي قادر على صناعة الفرح، ومؤهل لرسم البسمة والتفاؤل.