صراع الهرمونات..!!
نصحو كل نهار في محاولات متجددة لرفع ذلك الهرمون، وخفض مستوى ذلك الآخر البغيض. بحذر نحاول المحافظة على مستويات متكافئة ومتناغمة من تلك العناصر الكيميائية في أجسادنا من أجل هدف واحد: "حياة متوازنة".
نعم، هو صراع أزلي بين حزمة الهرمونات اللطيفة التي تسبب وفرتها بالجسم سعادة وأريحية وبهجة: " الدوبامين - الأوكسيتوسين – الأدرينال"، وذلك الهرمون الذي يستشيط العقل غضبًا عند أدنى سبب بمجرد ارتفاع مستوياته في الدم: "الكورتيزول"؛ فيصبح الفرد صعب المراس، نزقًا، متشتتًا، سهل الانزلاق في مصب نوبات الغضب والاصطدام مع الآخرين، وتضخيم المشكلات!
إن عدد الهرمونات ووظائفها أكبر من أن يُكتب في هذا المقال، ولكن الجدير بالذكر أن منها أنواعًا تُـفرز بدون إرادة منا، وهي أساسية من أجل أن نبقى على قيد الحياة، ولا تتأثر بتصرفاتنا وأسلوب حياتنا بشكل مباشر كما هو الحال مع الأنواع التي ذكرتها في باكورة المقال، وهي ما تعنينا هنا؛ لأنها تؤثر بشكل مباشر على مجريات الأحداث وردات فعلنا تجاه المواقف اليومية، ومعطيات الحياة التي لا تخلو من التحديات، المشاكل، الضغوط والإجهاد.
إن الوعي بهذه التفاعلات الكيميائية الصامتة التي لا تكل ولا تمل من التجدد، ومحاولة السيطرة على حدة التذبذبات في مستوياتها، سيخفف كثيرًا من سطوة مشاعر الندم على تصرفاتنا المندفعة وأخطائنا المتكررة في حق أقرب الناس إلينا: عائلتنا، أولادنا وأقرب المقربين.. والأهم من هؤلاء جميعًا "نفسك"، وذاتك التي تعتبر أول من يتأثر بتلك الفوضى إن حدثت، وبذلك الانخفاض أو الارتفاع الزائد لو تكرر.
إن أسلوب الحياة وعادات العقل التي اكتسبناها منذ الصغر هي العامل الأول الذي يؤثر في تدفق تلك المجموعة الهرمونية المتعلقة بالمزاج.. فمهما رضتك الكروب، وغشيتك الهموم، فإن جرعات مكثفة من حزمة هرمونات السعادة (الدوبامين والأكسوتيسن والأدرينالين) كفيلة بمساعدتك في تجاوز الأزمة، وتخفيف حدتها -بإذن الله- مهما كانت!
والمفارقة أن الجسم لا يفرق بين حجم الأحداث، فكل ما يفهمه هو مستويات الكورتيزول التي تدفقت في مساراته من جراء القلق، سواء على امتحان كان أو من مصيبة حلت بك.. بكل الحالات لا تستسلم وتأوي إلى فراشك خائر القوى حزينًا يائسًا؛ فثمة دائمًا ما يمكنك فعله لتغيير مسار مشاعرك؛ وبالتالي مواقفك.
لن تتوقف عجلة الحياة عن المضي، ولا نضمن توقُّف الأحداث التي تبعثرنا وترهقنا، ومسؤولياتنا التي لا تنتهي. ونحن هنا أمام خيارين، أحلاهما مُر: المُضي باستسلام وهزيمة، أو تقبُّل صراع الهرمونات ذاك، ومحاولة فهم التيار، ورفع مستويات السيطرة والتحكم بمجريات مشاعرك وردات فعلك تجاه ما يدور حولك.
فإن اخترت قبول الصراع فافعل ما تحب، ولا تستصغر أثر جرعة الدوبامين التي يمتلئ بها جسدك من سجدة خاشعة، تذكي بها وجدانك، وتفضي بها كل ما يخالج فؤادك بتوكل إلى رب سميع، أو من كوب قهوة تحتسيه بحضور عالٍ ونشوة، مدركًا أن خلف تلك الرائحة الزكية واللحظات القليلة مفعولاً سحريًّا، سيخفف حتمًا من حدة ارتفاع الكورتيزول؛ لتواجه عملك بتركيز أعلى، وتوتر أقل.
أحِط نفسك بما تحب وتأمله بعناية كل يوم، وابحث عن كل ما يُسعدك من أبسط الأمور، واجعلها أساسية في يومك.
أيقظ علاقاتك النائمة التي كانت تُبهجك يومًا ما، وأعد ترتيب وقتك؛ ليتضمن خانات أساسية لأولويات قد تجاهلتها سابقًا مع ضغوط الحياة اليومية وكثرة المهام؛ حتى لا تتضاعف مستويات الكورتيزول الخطيرة، التي قد تزج بك في غيابة الاكتئاب، وأزقة القلق المزمن، وفي دهاليز مشكلات صحية حقيقية، يصعب الخروج منها!