ماذا بعد التصنيف العالي لجامعاتنا؟
نتائج باهرة حققتها الجامعات السعودية في تصنيف QS الأخير لأفضل الجامعات حول العالم؛ إذ جاءت 3 جامعات سعودية في قائمة أفضل 5 جامعات على مستوى الوطن العربي؛ فنالت جامعة الملك عبدالعزيز المركز الأول، تلتها جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الترتيب في المرتبة الثالثة، فيما حلت جامعة الملك سعود في المركز الرابع. واحتلت المراكز (الـ143 – الـ180 – الـ203) عالميًّا على الترتيب.
هذه النتائج لم تتحقق قطعًا عن طريق المصادفة، بل كانت نتاجًا لجهود متواصلة لتطوير التعليم النوعي، والاهتمام بالبحوث العلمية، والاستعانة بأفضل القدرات والكوادر التعليمية حول العالم، والتنقيح المستمر للمقررات والمناهج العصرية التي تُدرس للطلاب حتى تتوافق مع أحدث التطورات والاكتشافات العلمية الحديثة، إلى جانب زيادة الاعتماد على مخرجات التقنية والتحول الرقمي الكامل، بما يؤدي في النهاية لتحسين البيئة التعليمية؛ وهو ما ينعكس بالتأكيد على جودة المخرجات النهائية.
ومع أن الجامعات السعودية حظيت منذ بدايات تأسيسها باهتمام القيادة الرشيدة؛ باعتبارها بوابة رئيسية لتحقيق التطور المنشود، ورصدت لها ميزانيات كافية، فإنه من باب الإنصاف القول إن ما وجدته من عناية واهتمام منذ إقرار رؤية السعودية 2030 فتح صفحة جديدة للتطوير؛ إذ لم يقتصر الدعم على الجانب المادي فقط، بل تبعته إجراءات تنظيمية عدة، من أبرزها نظام استقلال الجامعات.
هذا النظام الذي صدر في قرار من المقام السامي في يوليو 2020 هو نظام متطور، تتبعه معظم الجامعات الرائدة حول العالم؛ إذ يتاح لها المزيد من حرية الحركة في الجوانب الأكاديمية والمالية والإدارية؛ للتخلص من الروتين والبيروقراطية؛ لتحقيق النهضة العلمية، وإنشاء صروح علمية وتعليمية حديثة قادرة على رفد المجتمع بكفاءات وقدرات بشرية، تمتلك المؤهلات اللازمة التي تعينها على تلبية احتياجات سوق العمل.
وخلال السنوات الثلاث الماضية شهدت الجامعات السعودية تغيرات إيجابية كثيرة، تمثلت في تطوير المناهج، واستقطاب كفاءات عالمية بارزة، كان لها أثر كبير في تجويد العملية التعليمية، وأتاحت للقدرات الأكاديمية الوطنية الاحتكاك بهذه الكفاءات، والاستفادة من مؤهلاتها وخبراتها التراكمية.
لكن، وحتى تتحقق الاستفادة الكاملة من الإمكانات العلمية الهائلة التي تتمتع بها جامعاتنا، والمكانة المرموقة التي وصلت إليها، فإن المطلوب هو التركيز على الاستفادة من التنوع البيئي الذي تمتاز به بلادنا، وأن ترتبط الجامعات بالبيئات المحيطة بها، وتركز على إيجاد حلول لمشاكل المجتمعات المحلية.
بهذا فقط يمكن أن تتحول المؤسسات التعليمية إلى أدوات تغيير إيجابي، تحقق نهضة حقيقية بدلاً من أن تكون مجرد جامعات نخبوية، وقاعات تُلقى فيها دروس نظرية مكررة.. مع ضرورة التطوير المستمر للمناهج باستصحاب حاجة المجتمع الفعلية، ومواكبة الاكتشافات العلمية بمرونة تتوافق مع متغيرات العصر دون بيروقراطية أو جمود.
ولا بد أيضًا من التركيز على جودة البحوث العلمية التي تعتبر العامل الأساسي في تصنيف الجامعات، وتشجيع أعضاء هيئة التدريس على نشر إنتاجهم في الدوريات العلمية المعروفة، على أن يتم الاهتمام أيضًا ببراءات الاختراع عبر استقطاب الموهوبين، مع العناية بتسجيل هذه البراءات التي يمكن أن تشكل مصدر تمويل رئيسي لهذه الجامعات، ولاسيما في ظل هيمنة التكنولوجيا على جميع جوانب حياتنا المعاصرة.
ختامًا، فإن ثمار هذا النجاح ينبغي أن تنعكس على مجتمعنا السعودي؛ بما يؤدي لتحقيق أهدافنا الوطنية العليا. ولن يتحقق ذلك ما لم تسهم جامعاتنا في تأهيل الكوادر والمواهب المحلية؛ فهناك الكثير من المبتعثين الذين عادوا إلى الوطن بعد أن نالوا أعلى الدرجات العلمية من جامعات عالمية مرموقة. وهؤلاء بحاجة ماسة إلى ممارسة العمل الأكاديمي؛ حتى يستفيدوا من الاحتكاك بالكفاءات العلمية الدولية الموجودة في جامعاتنا.. فهذه الكوادر أنفقت عليها الدولة أموالاً طائلة، وإذا لم يجدوا العناية الخاصة والتمييز الإيجابي فإن تلك الجهود سوف تضيع سدى.