تعرضت المملكة لحملة دبلوماسية معلنة، تكاد تكون غير مسبوقة، من الإدارة الأمريكية، في أعقاب قرار أوبك+ الأخير بتخفيض إنتاج النفط. وقد تميز الخطاب الأمريكي بالفظاظة والابتعاد عن اللغة الدبلوماسية المعهودة بين الدول المتحضرة. الإدارة الأمريكية "الديمقراطية" برئيسها جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، اتهمت المملكة بأن قرار تخفيض إنتاج النفط يصب في مصلحة روسيا ويدعم حربها في أوكرانيا، وهو اتهام رفضته وزارة خارجيتنا التي أكدت حرص المملكة في الإبقاء على الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
ضمن هذا الموقف المتشنج، أعلن البيت الأبيض أنه سيعيد تقييم العلاقات مع المملكة، وسيثير موضوع حرب اليمن وحقوق الإنسان وبيع السلاح.
مما لا شك فيه أن الموقف الأمريكي المتشنج، جاء نتيجة تراكمات مواقف سياسية كثيرة منذ تولي سمو الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، ثم رئاسة مجلس الوزراء مؤخرًا؛ لأن ثلاث إدارات أمريكية لم تعجبها صلابته وشجاعته ووطنيته في إدارة البلاد من منظور عصري جديد بعيدًا عن التبعية والضغوطات العلنية والخفية؛ على الرغم من العبارات المتكررة والكلام المعسول عن الصداقة والتعاون الاستراتيجي. لذلك، فإن موقف الإدارة الأمريكية "ليس على رمانة وإنما القلوب مليانة"، كما يقول المثل الشامي.
وهم يتحدثون عن حرب اليمن وكأن المملكة هي التي بدأتها، أو أنها هي التي شجعت عصابات الحوثيين على عدوانهم ورفعت اسمها من تصنيف المنظمات الإرهابية، أو أنها هي التي تلعب بورقة "البعبع" الإيراني منذ أيام حكم الشاهنشاه السابق بينما تدعي معادة نظام الملالي الطائفي في طهران والعلاقات بينهما "لبن على عسل"، كما اتضح من الاتفاق الأخير بين لبنان والحكومة الإسرائيلية في موضوع الحدود البحرية التي أجمع معظم المحللين والعالمين بخبايا الأمور على أن الإدارة الأمريكية ضغطت من أجل تمرير الاتفاق إرضاء لإيران و"حزب الله".
ولم تكن المملكة هي التي سحبت صواريخ الباتريوت من أراضيها، بل الإدارة الأمريكية هي التي فعلت ذلك، مع أن الأسلحة الأمريكية ليست هدية أو منة أمريكية لأننا دفعنا ثمن كل طلقة اشتريناها. هذا في الوقت الذي دعمت فيه الولايات المتحدة نظام زيلينسكي في أوكرانيا ببلايين الدولارات غير المستردة على أمل أن يلعب دور الحوثيين ضد روسيا.
إذا كانت قيادة المملكة سترفع إنتاج نفطها أو تخفضه، فهذا قرار سيادي، ولا تنتظر إملاءات من أحد، لا من أمريكا ولا من روسيا، فهذه القيادة تعرف مصلحة شعبها، وتلعب لعبة المصالح مثلما تفعل الولايات المتحدة وكل دول العالم، بل وكل إنسان عاقل. فإذا كان قرار خفض الإنتاج يصب في مصلحة روسيا، فلماذا علينا أن نرفعه ليصب في مصلحة أمريكا التي تغذي الحرب في أوكرانيا بشتى السبل من أجل كسب معركة انتخابية داخلية لا ناقة لنا فيها ولا جمل! ولماذا علينا أن نرفع إنتاج نفطنا لتغتني الشركات الاحتكارية الأمريكية الغربية ويزداد فقراء العالم فقرًا.
ثم أليسوا هم من اخترعوا مفهوم السوق الحر أو اقتصاد السوق الذي يتحكمون فيه ولا يسمحون لغيرهم بـ"المضاربة"؛ لأن جيوبهم المنتفخة ستنكمش قليلًا. ثم لماذا لا نرفع سعر نفطنا بينما يبيعون قنينة العطر الباريسي بسعر أعلى من برميل النفط. ونحن لن نكون مسؤولين عن موت الأوروبيين من برد الشتاء القادم، لأننا لسنا السبب في ذلك ولن نكون؟ كما أننا لسنا المسؤولين عن هذا التخريب الاستخباراتي لمنشآت إمدادات الطاقة في العالم.
أما عن السلاح، فليسمح لنا "الأصدقاء" الأمريكان أن نقول لهم إن الأسلحة التي يبيعونها لنا ولدول أخرى في العالم أصبحت في حكم "منتهية الصلاحية" إذا ما قيست بالسلاح الحديث الذي يتدفق على أوكرانيا والذي يعطى للحكومة الإسرائيلية مجانًا لتوطيد احتلالها والولوغ في دم الشعب الفلسطيني، ويمنع حتى عن الحلفاء مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة. والإدارة الأمريكية تعرف بأن سوق السلاح العالمي مفتوح ونحن نعرف كيف نتسوق!
ويتحدثون عن حقوق الإنسان ونحن نريد أن نقول لهم بأن للشعب السعودي خصوصيته وعقيدته وعاداته وتراثه وتمسكه بقيادته، وليس على استعداد ليتخلى عن كل ذلك من أجل حماية حقوق المثليين والشاذين جنسيًّا.
أخيرًا، على الإدارة الأمريكية أن تعلم بأننا لسنا جمهورية موز، ومع أننا لا نفرط بالصديق الحقيقي؛ إلا أننا لا نساوم على مصالحنا وكرامتنا، ولا حتى مصالح أمتنا وكرامتها، وسندافع عنها بكل اقتدار، وعلى الغافلين أن يقرأوا التاريخ جيدًا.