احمدوا الله على نعمة المرض!!

تم النشر في

نِعَم كثيرة تحيط بنا في حياتنا، ونتعامل معها بدون أن ندرك قيمتها الحقيقية، وكيفية المحافظة عليها، وكأنها حق من حقوقنا، بينما هي هبات من عند الله؛ تستوجب الشكر والحمد عليها. وفي مقدمة تلك النعم والمنح "الصحة"، التي هي كما يقولون "تاج على رؤوس الأصحاء، لا يراه إلا المرضى".

المؤسف أن الإنسان منا إذا تعثر في أي من أمور حياته، أو فَقَد وظيفته، أو أصاب سيارته عطلٌ، يشعر بالسخط والضجر، ويتصور أن قطار الحياة قد توقف، وأنه غير محظوظ، أو "محسود" من الآخرين، ولا يلقي بالا للنعم الكثيرة التي يمتلكها حتى يتعرض لأي عارض أو وعكة صحية؛ فإنه يدرك حينها قيمة هذا الكنز الذي كان يمتلكه دون أن ينتبه له، وهو "العافية".

ولا شك أن الإنسان مهما امتلك من نِعَم الدنيا، وكان مقدار رصيده في البنك، أو الأقارب والأصدقاء الذين يحيطون به، ومهما كان ناجحًا في عمله أو متفوقًا على أقرانه، فإنه لن يمتلك القدرة على الاستمتاع بكل ذلك ما لم يكن في كامل صحته؛ فالمريض -بغض النظر عن نوع مرضه- يكون محدود الإمكانات والقدرات، ويصبح وضعه النفسي سيئًا.. ولا يعرف قيمة ذلك إلا من عاش مرارة الأوجاع والأسقام.

خلال الفترة الماضية زرتُ إحدى صديقاتي التي تعرضت لوعكة صحية؛ استلزمت دخولها المستشفى أيامًا عدة. وبالرغم من أن الله سبحانه وتعالى أنعم عليها بالعديد من النعم الجليلة، وفي مقدمتها أسرة كريمة وقفت بجانبها، وأصدقاء رائعون لم يكفوا عن الاطمئنان عليها والدعاء لها بالسلامة والعافية.. وبالرغم من أن تلك الصديقة معروفة بالمرح والحيوية، إلا أن الخوف الذي رأيته على قسمات وجهها، وحاولت أن أساعدها في التغلب عليه، جعلني أدرك قيمة أن يعيش الإنسان معافى في بدنه، وأهمية أن نحمد الله سبحانه وتعالى على الصحة.

كل ما ذكرته معلوم ومعروف مسبقًا، لكنّ خاطرًا طاف بذهني بعد أن خرجتُ من عند صديقتي؛ إذ تساءلت بيني وبين نفسي: هل يمكن أن يكون المرض نعمة؟ ومع أن السؤال قد يبدو غريبًا بعض الشيء لكني لاحظت أن المريض يصبح أكثر رقة، ويبدأ في الشعور بمعاناة غيره من الذين يكابدون الآلام، وأكثر رغبة في مد يد العون لهم.. كذلك فإن من يتعرض للمرض -حتى ولو كان من غير الملتزمين دينيًّا- يلجأ بصورة لا إرادية إلى الله، ويُكثر من الدعاء، ويصبح أكثر قربًا من ربه.. فهل هناك نعمة أكثر من ذلك؟

ولأنه لا قوة لأي إنسان في حالات المرض، التي يتساوى عندها الضعيف والقوي، فإن تلك تمثل فترة مناسبة للمتجبرين لمراجعة حساباتهم، والتوقف عن ظلم الآخرين وأخذ حقوقهم بالقوة.

والأهم من ذلك كله أن المرض ابتلاء من الله لعباده، واختبارٌ لهم، وهو ما يتضح في قوله تعالى {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}، فإذا ما صبر وشكر فإنه يكون قد نجح في الاختبار، وتكون جائزته الكبرى هي تكفير ذنوبه وخطاياه.

وأختم بالقول: إن ما عنيته بالمرض الذي قد يكون نعمة هو مرض الأبدان، أما أمراض القلوب – والعياذ بالله – فهي مصيبة كبرى، وهي بلوى وليست ابتلاء، والفرق بين الاثنين واضح وكبير؛ فهذه الحياة ما هي سوى لحظات نعيشها، وهي لا تستحق عناء البغضاء والتحاسد والتنافر.. والعاقل فيها من أتى الله بقلب سليم.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org