متلازمة المحتال: فهم أعمق لِمَ لا نرى قيمتنا

تم النشر في

هناك لحظات يصل فيها الإنسان إلى ما كان يحلم به.. وظيفة جديدة، علاقة جميلة، إنجاز دراسي، أو كلمة تقدير طال انتظارها. ورغم ذلك، يقف أمام هذا كله وهو يشعر أن ما يحدث أكبر منه، وكأن النجاح الذي يراه الناس لا يشبه الصورة التي يحملها عن نفسه. يبتسم، يشكر، يهدأ، لكن في داخله جملة لا تتغير: "يمكن ما أستحق… يمكن بالغوا… يمكن أنا أقلّ مما يظنون".

هذا الإحساس قد يبدو أحياناً كأنه تواضع، بينما هو في حقيقته شيء مختلف تماماً. فالتواضع يُهذّب الشعور بالذات… أما متلازمة المحتال فتُضعِف إحساس الإنسان بذاته. التواضع يجعل الإنسان يرى نفسه بلا مبالغة، بينما متلازمة المحتال تجعله غير قادر على رؤية نفسه حتى حين تكون الحقيقة واضحة للجميع.

ينمو هذا الشعور في تفاصيل الحياة اليومية أكثر مما نتخيل.

شخص يُتقن عمله ويقدّم حلولاً مهمة، لكنه يعيد الفضل كل مرة للحظ.

وآخر يحصل على فرصة مميزة، ومع ذلك يقنع نفسه أنها "جاءت من ظروف مناسبة فقط".

وفي العلاقات، تتضح الصورة أكثر، شاب يرتبط بفتاة هادئة وناجحة، وكلما اقتربت منه خطوة يشعر أنه أقلّ منها، وأنها قد تكتشف يوماً أن اختياراتها كانت أكبر من شخصيته. وفي الاتجاه الآخر، فتاة ترتبط بشخص خلوق وطموح، لكنها تخاف داخلياً من لحظة يشعر فيها بأنها ليست بالصورة التي يراها بها.

وتستمر السلسلة في مساحات أخرى من الحياة:

طالب يحقق درجات عالية ويبرّرها بأن الاختبار كان سهلاً، وشخص يحظى بمحبة الآخرين لكنه يعتقد أن هذا لطف زائد لا علاقة له بقيمته، وآخر يعمل بجهد كبير ثم يقول لنفسه: "أي أحد كان ممكن يسوي مثلي."

وأحياناً، وبشكل محدود جداً، قد يتأثر الإنسان بما يسمعه من الآخرين. بعض التعليقات العابرة، المقارنات غير المقصودة، أو حتى غيرة خفيفة لدى قلة من الناس قد تترك أثراً بسيطاً في النفس، خصوصاً عند الشخص الحساس أو الجاد بطبعه. هذه الأمور ليست سبب المتلازمة، لكنها قد تزيد من حدة الشك الداخلي إذا جاءت في لحظة تعب. ومع الوقت، قد يختلط ما يقوله الإنسان لنفسه بما سمعه مرة من شخص لم ينتبه لوقع كلماته. ومع ذلك، يبقى أصل المتلازمة في طريقة فهم الإنسان لذاته، لا في رأي الآخرين فيه.

ومع تكرار التجربة، تظهر علامات يمكن أن ينتبه إليها كل من يعيش متلازمة المحتال فعلاً:

خوف من أن يُكتشف بأنه أقل مما يظنه الناس، وتقليل مستمر من الإنجازات مهما كانت واضحة، ونسبة النجاح للحظ بدل الجهد، ومقارنات لا تنتهي، وتوتر عند تلقي الثناء، وعمل زائد لإثبات الجدارة، وإخفاء لنقاط القوة أو تجاهلها، وإحساس داخلي بأن أي خطأ بسيط سيكشف "الحقيقة".

هذه الأعراض لا تظهر كمرض، بل كحوار داخلي يتكرر بهدوء لكنه يرافق الإنسان في كل خطوة. يبدأ صغيراً، ثم يكبر في البيئات المليئة بالمقارنات، أو التوقعات العالية، أو التربية التي ربطت القيمة بالأداء فقط. ومع الوقت، يصبح الإنسان أكثر رحمة بالآخرين، لكنه أقسى ما يكون على نفسه.

لكن علم النفس يقول بوضوح: النجاح لا يحدث بالمصادفة المتكررة، والعلاقات الجميلة لا تُمنح اعتباطاً، والفرص الكبيرة لا تأتي لمن لا يستحقها. الإنسان الذي يشكّ في نفسه ليس أقل كفاءة، بل غالباً أكثر وعياً وحرصاً وحساسية للتفاصيل. هؤلاء ليسوا محتالين… بل بشر يتعبون بصمت.

ولا أحد يطلب من الإنسان أن يُسكت هذا الصوت الداخلي تماماً، فبعض الشك طبيعي. لكن يمكنه أن يخفّف حدّته، أن يرى نفسه بعيون أقل قسوة، وأن يعترف بالحقيقة كما هي:

أنه يصل… لأنه يستحق أن يصل.

وأن العلاقات التي اختارته… اختارته لأنه جدير بها.

وأن الإنجازات التي تكررت… لم تكن صدفة.

وبعد كل هذا، تبقى حقيقة واحدة لا ينبغي أن يغطيها أي شك داخلي:

كل خطوة وصلت إليها لم تكن أكبر منك.

كانت على مقاسك تماماً،

لكن صورتك عن نفسك كانت أصغر قليلاً من حقيقتك.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org