الملف الاستثماري لروَّاد الأعمال وأهميته

في مقالات سابقة تحدَّثنا عن الاستثمار الجريء، الذي يُعدُّ إحدى الثمار التي يقطفها المجتمع من جهود الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت"، التي أُنشئت عام 2016م. وموضوعنا اليوم يتطرق لجانب يهم في المقام الأول رائد/ ة الأعمال، بل يُشكِّل هاجسًا كبيرًا لديهم، وهو إعداد الملف الاستثماري لغرض تقييمه وعرضه على المستثمرين الراغبين بتملك حصص، أو المشاركة في الاستثمار، وربما الاستحواذ في مرحلة ما، وهو ما يتطلب جهدًا كبيرًا في إعداده؛ لذلك دعونا نتطرق لكيفية إعداد هذا الملف بشكل ميسر، يسهل فهمه لكل رائد/ ة أعمال لحاجتهم للقيام به في مرحلة ما.

بداية، يحوي الملف الاستثماري عددًا من النقاط، من الطبيعي أن يكون أولها نشاط المشروع، واسمه، ومن ثم الفئات المستهدفة، ورأس المال، وحجم التمويل إن وُجد من قروض ونحوها، إضافة إلى فريق العمل، وطرق التسويق، ونِسَب الأرباح، وتقدير المخاطر والتعامل معها، والمستهدفات المستقبلية، وكذلك العقبات والتحديات في المجال التي تعمل فيه المنشأة، وكيفية التعامل معها، علاوة على المنافسين وحجم المنافسة، ومقدار النعومة أو الشراسة التي تواجهها المنشأة أمام ذلك.

كل هذه النقاط تستوجب فريق عمل، يتمتع بمؤهلات، وربما خبرة سابقة في بعض المجالات لتحقيق النجاح؛ لذلك يُعدُّ فريق العمل أحد أبرز عوامل الجذب للمستثمرين الذين يتفحصون السيرة الذاتية لفريق العمل بتمعن شديد؛ لذلك من المهم أن يُشغِّل كل قسم من المنشأة الشخص المناسب، وأن يملك المؤهلات اللازمة للقيام بدوره، ولا مجال هنا للمجاملة التي قد تسبب إعراض المستثمرين، وصرف نظرهم عن المشاركة؛ ففريق العمل يشكل مساحة كبيرة من قرار الاستثمار.

أيضًا ليكون الملف الاستثماري جاذبًا ومميزًا بالنسبة لأي مستثمر يتوجب أن تكون الأهداف وخطة العمل واضحة ومكتملة الجوانب، بل يمكن تشبيهها بخط إنتاج، يبدأ بمادة خام، وينتهي بمنتج جاهز للتسويق وصولاً للعميل المستهدف؛ فالمستثمر يرغب برؤية خطة واضحة المعالم، يسهل عليه فهمها بعيدًا عن التعقيد؛ ليخرج بفكرة واضحة ومكتملة عن المنشأة وعملها.. فمن الصعب أن يدخل في استثمار ليس واضحًا بالنسبة له. وهنا أيضًا لا بد أن يعطي رائد/ ة الأعمال "التسويق" ما يستحقه من اهتمام، ويسند هذه المهمة لفريق كفؤ؛ فوجود منتج جيد دون تسويق مناسب يُعرِّض المنشأة للخطر.

اليوم تعج أبواب المستثمرين برواد ورائدات الأعمال؛ لذلك من المهم أن يكون الملف الاستثماري الذي يُقدَّم لهم جاذبًا ومميزًا عن غيره من حيث البساطة في طرح الفكرة في كل جوانبها، ومدى حاجة المجتمع لها مصحوبة بلغة الأرقام من واقع دراسات معتمدة بعيدًا عن الطموحات التي تخلو من ذلك. ومن المهم أيضًا توضيح نسبة الاستثمار المعروضة التي سيحصل عليها المستثمر ليصبح شريكًا ومتملكًا في المنشأة، التي تُعدُّ الخطوة التي تسبق تقييمه للمنشأة كلها، وللنسبة المطروحة بشكل خاص.

كما أن تقييم المنشأة هو نتيجة لما يحتويه الملف الاستثماري؛ فمن المهم أن يكون الملف مكتمل العناصر، وبأفضل وأبسط صورة معًا دون التخلي عن أحدهما. بعد ذلك لا بد أن يخرج رائد/ ة الأعمال بتقييم لمنشأتهم، وتوضيح أسباب التقييم من خلال ثلاث مراحل، الأولى ما كانت عليه وما تمرُّ به بالوقت الحالي، مع تصور تام عما ستكون عليه مستقبلاً من نمو وتوسعات، وغيرهما.

وهنا يأتي دور المستثمر بعدما تكون كل العناصر واضحة له؛ لتبدأ عملية التفاوض التي تعتمد على ثقة كل طرف بما يمكنه تقديمه، فضلاً عن المهارات في إدارة العملية.

وختامًا، فقد قدمت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت" في هذا المجال فرصًا عديدة من الصفقات الاستثمارية الناجحة لكل طرف.

كما تهدف الهيئة إلى تنظيم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية، ودعمه، وتنميته، ورعايته.. بل تجاوزت أهداف الهيئة إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ تستهدف الهيئة النهوض بالقطاع، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 20 إلى 35% بحلول عام 2030؛ وهو ما يجعله أحد الروافد والأعمدة التي سيستند إليها الاقتصاد. وكما يبدو، فالهيئة تسير نحو مستهدفاتها في خطى متسارعة من خلال الأرقام التي حققتها خلال العامَين الأخيرَين فقط؛ إذ قدَّمت "منشآت" من خلال "بوابة التمويل" التابعة لها وحملات "#التمويل_الصح"، التي تربط بين رواد الأعمال والجهات التمويلية، أكثر من أربعة عشر مليار ريال من القروض، بينما كسر حاجز الطلبات أربعة آلاف طلب، فيما وصل عدد شركائها إلى أبواب الخمسين شريكًا.

وفي الحقيقة، لم يتوقف دور الهيئة على الدعم المالي أو التمويل، بل تجاوز ذلك لتقديم التوعية والدعم، سواء من خلال موقعها الإلكتروني، أو جهودها الكبيرة التي تبذلها عبر ورش العمل والندوات ومواقع التواصل الاجتماعي.. كل ذلك في إطار خدمة رواد ورائدات الأعمال، ومساعدتهم في تيسير أعمالهم، وإنجاحها، وإبراز الفرص الاستثمارية، وجذب المستثمرين محليًّا وخارجيًّا.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org