كيف تصبح صديقًا كريمًا للجراثيم؟!!
في بداية اكتشاف الجراثيم قبل عقود طويلة، وتحديدًا عند اكتشاف البكتيريا، ضجَّت الأوساط العلمية الطبية بهذا الاكتشاف، ورأت فيه فتحًا عظيمًا في الطب. وقد كان كذلك، ولا يزال.
وفي تلك البدايات كان الوسط الطبي يرى قطعًا أن تلك البكتيريا، بأنواعها المتعددة، ضارة؛ ويجب معاداتها والقضاء عليها.. ولكن تنصرم الأيام والسنون والعقود؛ لتقضي السُّنة الربانية بأن {ما أوتيتم من العلم إلا قليلا}، ولنكتشف أن تلك البكتيريا نوعان، إما صديق عليك كسب مودته ومحبته، وإما عدو عليك النفور والفرار منه قدر سعتك!!
فالمعدة التي تمثل بيت الداء أصبحت رأسًا للدواء أيضًا بعد اكتشاف بعض أنواع البكتيريا النافعة التي تعيش فيها، وفي الجهاز الهضمي؛ إذ تبني نظامًا بيئيًّا معقدًا، يسمى علميًّا "الميكروبيوم"، تتعايش فيه تلك البكتيريا الصديقة وغيرها من الميكروبات مع المعادية بطريقة متناغمة ومتوازنة.
وأصبح إكرام هذه البكتيريا الودودة وتدليلها، وكسب ودها، والحرص على تكاثرها، طريقًا للحفاظ على الصحة.. فبعضها يُحسِّن من وظائف الجهاز الهضمي؛ فيساعدك في الهضم وامتصاص العناصر الغذائية من الأطعمة، وبعضها الآخر يساعدك في إنتاج أنواع من الفيتامينات.
والغريب أن هذا الصديق الوفي يقاوم البكتيريا المعادية، ويحد من تكاثرها، بل يتدخل في جهازك المناعي في محاولة منه لتحسينه!!
والمدهش في الأمر ظهور العديد من الدراسات التي تشير إلى تأثير هذا الصديق الخفي على المزاج والقلب والدماغ، واحتمالية تخفيف القلق والتوتر والاكتئاب، وتعزيز الصحة النفسية!!
سيقول قائل: وكيف لبكتيريا في المعدة أو الأمعاء أن تتواصل مع الدماغ أو تؤثر على القلب؟ والإجابة، كما في مقال نُشر على موقع جمعية القلب الأمريكية، بأنها عملية معقدة، تتداخل فيها الهرمونات والإنزيمات والخلايا العصبية. ويحتاج ذلك لشرح مطول، ليس مجاله هنا، لكن في النهاية ستتذكر قطعًا {... صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ...}.
أما أعجب ما يمكن أن تسمعه عن هذا الصديق الوفي فهو الإجراء الطبي الذي أصبح ممارَسًا في بعض أعرق المستشفيات الغربية، يتم فيه زراعة هذا النوع من البكتيريا في قولون المرضى المصابين ببعض التهابات الجهاز الهضمي لعلاجهم منها.
ولن ينقضي العجب إذا علمت أن ذلك يتم عبر أخذ عينة براز -أكرمكم الله-، تحتوي على تلك البكتيريا من شخص سليم، ومن ثم إدخال هذه العينة في قولون المصاب.
طبعًا يتم ذلك بطرق طبية مقننة، تضمن سلامة ومأمونية هذا الإجراء.
كما تشمل محاسن هذه البكتيريا الوفية علاقاتها بتحسين أداء العضلات، واحتمالية الحد من بعض الأمراض المزمنة المتعلقة بالجهاز الهضمي.
والسؤال الآن: كيف أحافظ على هذا الصديق الخفي، وأُكرمه؛ لأستمتع بتلك الفوائد الصحية؟!!
أولاً: عليك بتناوُل الأطعمة الغنية بمادة تسمى "البروبيوتك"، وهي بكتيريا حية وخمائر نافعة، توجَد في العديد من الأطعمة والمشروبات والمكملات الغذائية. ولعل أبرز تلك الأطعمة (الزبادي واللبن)، وبعض أنواع الأجبان والمخللات.
وعليك تدليل هذا الصديق بإطعامه ما يحب!! فأحب الطعام إليه ألياف نباتية، توجد في العديد من الخضراوات والفواكه والبقوليات، تسمى "البريبيوتك". ويمكنك البحث في المواقع الموثوقة عبر الإنترنت للوصول لقائمة بتلك الأطعمة.
كما يمكن الحصول على "البروبيوتك" و"البريبيوتك" كمكملات غذائية تُباع في الصيدليات، مع أنني دائمًا أنصح بأخذها من مصادرها الطبيعية من الأطعمة.
أما العلاج السحري الذي لا تكاد تخلو منه أي نصيحة طبية فيكمن في النشاط البدني، الذي يمكن أن يحفز التوازن في ميكروبات الجهاز الهضمي.
ولا تنسَ أن لهذه البكتيريا الصديقة أعداء كُثرًا، ومن ذلك الأطعمة الغنية بالسكريات، وكذلك المحليات الصناعية، عوضًا عن المضادات الحيوية التي تؤثر عليها وعلى تكاثرها بسلام وأمان!!
وهذه من الأسباب التي تدعونا نحن الأطباء إلى النصح بعدم القفز مباشرة لتناوُل المضادات الحيوية دون استشارة طبية.