قبل أن أبدأ أود أن أنبه الجميع إلى أن ما سأذكره في هذه المقالة هو تجربة شخصية، أجريتها على طفلي التوحدي. وللأسف هذه التجربة غير مدعومة بالأدلة الطبية، ولكن بعض النتائج الإيجابية للتجربة مصوَّرة ومنشورة على قناتي في اليوتيوب وحسابي الشخصي بتويتر. وسبب نشري هذه التجربة هو تحفيز إخواني وأخواتي في القطاع الطبي على وجه العموم، وأخصائيي التغذية على وجه الخصوص؛ للبحث والتعمق لدراسة فوائد حليب هذا المخلوق العظيم، الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى بالنظر إليه، وقال في كتابه { أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} (الغاشية: 17-. ومن منطلق كوننا مسلمين ومؤمنين بالقرآن يجب أن نسأل أنفسنا: لماذا خص الله الإبل عن سائر مخلوقاته؟ ولماذا قدَّم التفكر فيها على الجبال الشاهقة والسماء الشاسعة وأرضنا الواسعة؟
في 1 أغسطس من عام 2013 رزقني الله بمولود، أسميته خالد. كانت الولادة طبيعية، وحالة الطفل سليمة، ولم يكن يعاني من أي مشاكل صحية. استمر نمو الطفل طبيعيًّا، وتعلَّم التأتأة والحبو والمشي والرقص كسائر أقرانه. وبعد أن أتم عامه الأول، وبالتحديد بعمر السنة ونصف السنة تقريبًا، بدأت زوجتي بملاحظة تدني مستوى التركيز عند طفلها. وقبيل عامه الثاني بدأت أعراض التوحُّد بالظهور على خالد، وأبرزها الآتي:
١-الرفرفة.
٢- الانزعاج من الأصوات العالية.
٣- قلة الإدراك والتركيز.
٤- الهروب من المنزل، وعدم إدراك الخطر.
٥- الشعور بالحماس والسعادة والحزن بدون أي أسباب.
وغيرها الكثير..
بعد ظهور الأعراض أدركت أم خالد أن طفلها مختلف عن باقي أقرانه، ولكنني كنت أكابر وأحاول أن أطمئنها، وأقول لها هذه الأعراض طبيعية ومكتسبة وراثيًّا، ويوجد في عائلتنا أطفال كثيرون مثله.
بعد أن أتم ثلاث سنوات تأكدتُ أن خالد مختلف، وأن العامل الوراثي مجرد وَهْم تمسكت به؛ لكي يبعدني عن حقيقة إصابة طفلي بالتوحد. ذهبت إلى مركز مختص بالتوحد في مدينة الرياض لتشخيص الحالة، وكانت نتيجة التشخيص أن الطفل مصاب بما يسمى بـ"تأخر النطق"؛ ونصحنا الدكتور بأن نعمل اختبارات دورية كل 6 أشهر إذا استمرت الأعراض. شعرنا بالسعادة، وزاد التفاؤل بأن طفلنا غير مصاب بالتوحد لفترة بسيطة.
في صيف عام 2016 تم تشخيص خالد بالتوحد. وللأمانة كان الخبر صادمًا بالنسبة لي ولأمه. وأقرب شيء أصف به شعوري في ذلك الوقت هو شعور الغريق الذي لا يعرف السباحة؛ والسبب أنني كنت أريده أن يتعافى على الفور، ولم أكن أعرف شيئًا عن التوحد. ذهبنا للمنزل، واطلعنا على مئات المواقع العربية والأجنبية لمدة طويلة؛ لكي نتعرف أكثر على التوحد، وكيفية التعامل مع المصابين به؛ فوجدنا طرقًا كثيرة لتحسين سلوك الأطفال المصابين بالتوحد، ولكن كانت أكثر النصائح هي أن يتم تسجيل الطفل في مركز تأهيلي.
قمت بتسجيل طفلي في أحد مراكز المنطقة الشرقية، بالتحديد في مدينة الدمام، لمدة سنة ونصف السنة. وبعد ذلك انتقلت لمدينة الأحساء، وقمت بتسجيله في مركز للرعاية النهارية لمدة سنة. وللأمانة كانت استجابة خالد ضعيفة، وتطوُّر مهاراته بطيئًا جدًّا.
في أواخر سنة 2018، وبعد حالة يأس أصابتني أنا وأم خالد، تركتُ عملي، وذهبتُ للعيش في قريتنا؛ لخوفي على ابني من المدينة.. ولعل الله يجعل من البيئة القروية حلاً للتوحد. وخلال هذه الفترة نصحني أحد أقربائي بإعطاء خالد حليب الإبل، وقال لي إن هناك أبحاثًا، تشير إلى أن حليب الإبل مفيد للتوحد. للأمانة لم أقتنع بنصيحته؛ والسبب يعود لكثرة النصائح التي أسمعها بشكل شبه يومي في ذلك الوقت. وبعد نصيحته لي بفترة قصيرة قام بإرسال مقطع فيديو عن فوائد حليب الإبل لأطفال التوحد، وهذا الفيديو -بعد الله- كان هو السبب الرئيسي الذي أقنعني بإعطاء خالد حليب الإبل. والسبب الآخر يعود إلى أنني موجود في القرية، وحليب الإبل متوافر، وبالقرب مني.
بدأتُ بإعطاء طفلي حليب الإبل بالرضاعة مرتين في اليوم، وكنت أمزج معه ملعقة من العسل الطبيعي. ومن الأسبوع الثاني لاحظت أن تركيز خالد أصبح عاليًا، ورفرفة التوحد بدأت تخف. واصلتُ إعطاءه الحليب، وبعد قرابة شهر اختفت رفرفة التوحد، وأصبح يذهب لدورة المياه وحدة، وارتفعت نسبة التركيز بشكل عالٍ جدًّا وملحوظ للجميع مقارنة بالسابق.
بعد هذه التطورات لحالة ابني قمتُ بمحاولة إعطائه حليب الإبل في الكأس عوضًا عن الرضاعة. استمررت على هذه المحاولة لمدة شهر، وللأسف كانت فاشلة. وبعد ذلك حاولت أن أعطيه الحليب بالرضاعة كما فعلت في السابق فلم يتقبله أيضًا. ونصيحتي هنا: إذا كان طفلك التوحدي يتطور بطريقة ما فلا تحاول أن تغيرها بالإجبار.
بعد سنة ونصف السنة، وبدون أي تطور ملحوظ لحالة خالد، وبالتحديد في منتصف عام 2020، رزقني الله بوظيفة ممتازة في مدينة الرياض. كانت هذه الوظيفة بارقة أمل جديد لي للوقوف من جديد، ومساعدة ابني.
في يوم من الأيام، وخلال تبضعي لمستلزمات البيت من أحد المحال القريبة من منزلي في مدينة الرياض، وجدت قارورة حليب مكتوبًا عليها "حليب خلفات". قمتُ بشراء هذه القارورة لمحاولة إعطائها لخالد. ولله الحمد تقبَّل الحليب، وعاد لشربه، واستخدمت أسلوبي السابق نفسه، ولكن حليب الإبل المستخدم هذه المرة مبستر، وليس طبيعيًّا. وبعد فترة قصيرة جدًّا من استخدام الحليب أصبح مستوى التركيز يزداد، وحالته تتحسن.
المدهش، وبعد تجربتي الثانية لحليب الإبل، وبالتحديد بعد شهر واحد من شرب خالد حليب الإبل، كنا في رحلة سفر للقرية. أثناء تلك الرحلة طلبت ابنتي نورة من أخيها أن يردد معها كلمة "قوة". ولله الحمد نطق الكلمة، وكانت هذة أول كلمة يرددها بعد أن يأمره أحد بالترديد. وهذا الأمر يُعتبر تطورًا كبيرًا بالنسبة لحالة خالد. توقفتُ في منتصف الطريق من شدة الفرح، وقلت له: قل معي "بابا"، فقال "بابا". نزلت من السيارة، وسجدت لله شكرًا على ما حباني به، وعلى التطور الملحوظ لحالة ولدي.
قبل أن أختم، ولكي لا أطيل عليكم أكثر.. خالد الآن بفضل الله يحفظ سورة الإخلاص وبعض سورة الفاتحة. كما أنه كذلك يصلي معي بعض الصلوات المفروضة في المسجد بهدوء وانتظام. أيضًا يحفظ الحروف والأرقام العربية والإنجليزية، ويكتبها، ويقوم بخدمة نفسه في الشرب والأكل، وبعض الأحيان يقوم بصب العصير في الكأس، وعمل ساندويتش جُبن بمفرده. وأهم نقطة هي استقلاليته، واستطاعته قضاء حاجته في دورة المياه بمفرده -أعزكم الله-، وغيرها الكثير.
في الختام، أود أن أنبه الجميع إلى أن التوحد اضطراب، ليس له علاج معروف؛ لذلك تجربة الخلطات الشعبية والكي على ذوي التوحد أعتبرها جريمة؛ والسبب أن تحسُّن الطفل اللحظي بعد هذه التجارب وزيادة تركيزه ناتجان من الخوف فقط، وبعد أن يشعر بالاطمئنان ستعود حالته مثل السابق، أو قد تسوء -لا قدر الله-.
وأنصح بالرقية الشرعية، ولكن يجب أن تكون عن طريق الأهل، وبصوت مريح وهادئ.. وانتبهوا من الذهاب بأطفالكم التوحديين للرقاة؛ فبطبيعتهم لا يحبون الأماكن الغريبة، ولا الأصوات المرتفعة.. واحذروا ثم احذروا أن تكونوا أنتم السبب في إخافتهم من تلاوة القرآن. وأفضل الحلول الفعلية لتخفيف أعراض التوحد هو مراكز التأهيل الشامل والتدخل المبكر، وحليب الإبل لا يغني عنها، ولكن قد يفيدكم لرفع مستوى الإدراك عند هذه الفئة. وإعطاء طفل بعمر السنتين أو أكثر حليب الإبل لن يضره بشيء، ولا يكلف مبلغًا ماليًّا كبيرًا؛ لذلك العملية التي لا يوجد فيها احتمالية ضرر قد تفيدك؛ فلماذا لا نُجرِّب حليب الإبل ونعطيه أطفالنا؟؟