الخير يُعمِّر، والشر يدمِّر، والجود لعيوبك يستر، والصحة تقبل وتدبر، وبراءة الطفل تتلاشى فيكبر، وخلاصتك إما فعل يُذكر أو جسد يُقبر.
إليك يا من تقرأ أعتذر من ثقل هذه العبارات على صدرك، ولكن هذا هو واقع حياتنا المرير الذي لا نريد سماعه. ففي هذه الحياة لا توجد سعادة مطلقة ولا شقاء مطلق.. فطعم مرارة الحياة إذا جزعت سيكون كالعلقم، وطعمها إذا صبرت سيكون كالقهوة. ففيها لم ولن تجد شخصًا لا يصيب ولا يخطئ، ولكن ستجد مَن هو مستور ومَن هو مفضوح.. وأسأل الله لي ولكم الستر في الدنيا والآخرة.
جميعنا يعلم أن السعادة في هذه الدنيا أساسها يكون بفعل الخير، ولن يسعد شخص يبني حياته على معصية الله. وهذه الأمور من المسلَّمات التي لا يعارضها سوى الجاهل. ولكن مما لاحظته في حياتي أن هناك صفتَيْن تحفيزيتَيْن لوصول الشخص للسعادة، ووجدتها في كل شخص سعيد، وجميع من لا توجد فيهم هذه الصفة أراهم في شقاء حتى وإن كانوا ممن يعملون الخير. هاتان الصفتان هما "الشغف" و"القناعة"، ومزجهما في الشخص نفسه من الأمور الصعبة، ولكن نتائجهما ممتعة. ولو قمنا بوضع مقياس للسعادة على جميع البشر لوجدنا أن النسبة الراجحة في الأشخاص الذين روَّضوا أنفسهم على جعل هاتين الصفتين من صفاتهم الشخصية. فالشغف محفز للنجاح، والقناعة مُسكِّن لآلام الفشل. والعكس صحيح.. فلو قمنا بقياس الشقاء عند البشر لوجدناه مقترن بصفتَيْ الكسل والجشع؛ لذلك استعاذ النبي ﷺ من الكسل، وكذلك استعاذ من البخل الذي لا يأتي إلا مسبوقًا بصفة الجشع.
كن قنوعًا بما أعطاك الله، وشغوفًا لما سيعطيك.. وتذكَّر يا إنسان أن بداية خلقك أنك كنت حيوانًا منويًّا في مكان صغير، هو صلب أبيك، وعمرك لا يتجاوز الأيام المعدودة، وتتنافس مع مئات الملايين من أقرانك لكي تنتقل إلى مرحلة من حياتك مجهولة بالنسبة لك، فمنَّ الله عليك لتكون المنتصر الوحيد على مئات الملايين من منافسيك؛ لتستقر في مكان أكبر، هو بطن أمك، الذي عشت فيه مدة أطول، هي تسعة أشهر؛ لتخرج بعد ذلك من بطنها إلى مرحلة مجهولة بالنسبة لك، هي حياتك الحالية.
أنت الآن في هذه الدنيا الشاسعة، وقد تعيش فيها غالبًا من 60 إلى 70 سنة، وبعدها ستنتقل إلى مرحلة مجهولة لا يعلم تفاصيلها إلا الله؛ لذا كن على يقين أن الذي خلقك في صلب أبيك لتستقر في بطن أمك، وتخرج لهذه الأرض، سيبعثك إلى مكان أكبر، ولمدة أزلية لا يعلم تفاصيلها إلا الله.
الحياة بسيطة فلا تصعبها على نفسك، وفي الوقت نفسه لا تتساهل في القيام بواجباتك، واجعل مقولة "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك ستموت غدًا" مبدأك في هذه الحياة. وعليك بحسن الظن بالله، ففي الحديث القدسي قال الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرًا فله، وإن ظن شرًّا فله". وفي الحديث دلالة واضحة من الله سبحانه وتعالى أن العبد بحسن ظنه بالله يستطيع أن يستجلب لنفسه الخير والسعادة، وبسوء ظنه بالله يستجلب لنفسه الشر والبؤس.