ضربة تتلوها ضربات
عندما أعلنت السعودية رؤيتها الطموحة في صيف 2016 أعلنت بعبارات صريحة وواضحة أن تنفيذ برامج تلك الرؤية سيقوم على إبداعات المواطن أولاً وأخيرًا؛ وبالتالي سعت الدولة إلى تأسيس جيل من الشباب القادر على التفكير "خارج الصندوق"، والمؤهل تأهيلاً خاصًّا؛ للقيام بالدور المطلوب منه في الوصول بالبلاد إلى أبعد نقطة من النمو والازدهار والريادة.
وفي وقت مبكر من البدء بتفعيل برامج الرؤية على أرض الواقع كان للمملكة نظرة خاصة، استشرفت بها المستقبل، عندما حرصت على توفير بيئة آمنة ومستقرة وصحية وصالحة لتأهيل الشباب من الجنسين. ومن شروط هذه البيئة أن تكون خالية من أي مؤثرات تُضعف قدرات الشباب، وتنال من عقولهم. وعلى رأس هذه المؤثرات المخدرات بجميع أنواعها.
وإذا كان تاريخ السعودية في محاربة المخدرات حافلاً بالكثير من الحملات الأمنية الناجحة فإن الحملة التي تشنها أجهزة وزارة الداخلية حاليًا مختلفة في الأدوات والطريقة، وأيضًا في الأهداف؛ إذ إنها أشبه بحرب شاملة، لا رحمة فيها، تضرب بيد من حديد كل مَن يستهدف صحة الشباب، والنيل من عقولهم.
أستطيع التأكيد أن الحرب الدائرة اليوم ضد تجار المخدرات مختلفة عن الحروب المماثلة؛ فهي متسلحة بالعزيمة والإصرار على مواجهة المروجين والمهربين، والقضاء على نشاطهم نهائيًّا، وتطبيق الأنظمة والقوانين بحقهم. ويؤكد كلامي عشرات التجار والمهربين الذين يُقبض عليهم يوميًّا في مشهد يؤكد أن الدولة لن تتسامح مع كل من يستهدف هذا الوطن بسوء.
وكانت للرسالة التي وجهها وزير الداخلية، سمو الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، وألمح فيها إلى جدية الوزارة في مواجهة المخدرات، أثرٌ كبير في تعزيز هذه الحرب، وشموليتها، خاصة عندما وصف سموه عمليات القبض على مُروِّجي المخدرات ومهربيها بأنها "ضربة تتلوها ضربات، ولن ينجو منها مروجو ومهربو المخدرات، ومن يستهدفون مجتمعنا ووطننا". هذه الرسالة بقدر أنها تحمل تهديدًا وتحذيرًا مباشرًا إلى كل مروجي المخدرات ومهربيها فإنها تحمل رسالة اطمئنان لكل مواطن بأن الدولة ستحارب بضراوة كل من يهدد أمن الوطن وسلامة المواطن.
ولعل ما يُطمئن أكثر في هذه الحرب أنها رفعت شعارًا مهمًّا، يُشرك المواطن والمقيم فيها، عندما دعتهم إلى الإبلاغ عن أي مهرب للمخدرات أو متاجر لها؛ لأن المواطن هو رجل الأمن الأول في هذه البلاد؛ ما يؤكد أن مواجهة آفة المخدرات فرض عين على الجميع، وليس رجال الأمن وحدهم.
ويبقى الجميل في مشهد هذه الحرب أنها دفعت عشرات المدمنين إلى مراكز الاستشفاء للحصول على العلاج دون خجل أو توجس من "الفضيحة الاجتماعية"، التي حرمت مئات المدمنين من التخلص من آثار الإدمان، وهو ما أعتبره بداية عهد جديد ذات مسارين: الأول تحارب فيه الدولة انتشار المخدرات وتطارد مهربيها وتجارها، والثاني سرعة علاج المدمنين والوقوف بجانبهم؛ حتى يعودوا أفرادًا صالحين في المجتمع.