ما قبل التوحيد كانت البلاد أقاليم متناثرة، وكانت الحدود غير ثابتة؛ فهي أقرب للنظام القبلي منها إلى النظام الدولي.
وما بعد التوحيد أصبحت المملكة العربية السعودية كتلة واحدة بعد أن أدرك الملك عبدالعزيز بحنكته وذكائه أنه من الصعب قيام دولة قوية مع وجود انتماءات قبلية متفرقة ذات أصول متفرعة، وضرورة انخراط الجميع في بوتقة الوطن الواحد بعيدًا عن التحزبات والنعرات القبلية والأحزاب الدينية؛ فكان اتفاق القيادة السياسية والدينية، وبدلاً من أن تكون القبيلة هي المسؤولة عن حماية أفرادها أصبحت الدولة هي المسؤولة عن حماية مواطنيها؛ فحب الانتماء ليس عيبًا؛ فهو غريزة طبيعية، ولكن العيب كل العيب لمن يسعى لإضرام العصبية القبلية بمفهومها الخاطئ.. والصحيح هو "المواطنة الصالحة"!!
ونحن اليوم في ذكرى العام الـ92 لتوحيد البلاد تحت اسم "المملكة العربية السعودية"، ومنذ عام التوحيد 1351هـ حتى اليوم، قام الموحد والملوك من أبنائه من بعده على توطين البادية، خاصة من كانوا يتنقلون باستمرار من مكان إلى آخر وراء الماء والكلأ؛ إذ تم تشجيع البدو على التوطين، وبالفعل استقر حال الكثير منهم في هجر اختاروها، ومواقع استوطنوها لأكثر من 220 هجرة، وأمدوهم بالخدمات من مدارس ومعلمين ومستوصفات، والكثير من الدوائر الحكومية؛ كي يعلموهم أمور دينهم، والفصل في قضاياهم على أسس شرعية.
تحولت مع الزمن - بفضل الله ثم بفضل حكومتنا الرشيدة - تلك الهجر إلى قرى، وتغيرت بعض القرى إلى محافظات، كما انتقل الكثير من سكان تلك الهجر والقرى –بالرغم من إيجاد الخدمات الأساسية لهم- للاستقرار في المدن الكبرى؛ والسبب في ذلك هو انخراط الكثير منهم بوظائف في شتى مدن السعودية، وامتزجت حياة الإنسان السعودي بكل شبر من وطنهم؛ فكانت السعودية العظمى بشيبها وشبابها.
نحن اليوم في أمسِّ الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى أن يكون هذا الاتحاد وذاك الانخراط وهذا الامتزاج القوة الناعمة لهذا الوطن الشامخ بعيدًا عما نشاهده بين الحين والآخر من مهاترات قبلية، أو عنتريات أحادية، أو إضرام للأحقاد، وإشعال للفتنة، وإحياء للطبقية المقيتة!!