تربية البنات و"الهم" حتى الممات..!!

تم النشر في

تُشكِّل الأمثال الشعبية –إلى حد كبير– مرآة الشعوب التي تعكس حضارتها وعاداتها وتقاليد مجتمعها وقناعاتها ومعتقداتها؛ لذلك يمكن اعتبارها ممثلاً لأصوات تلك المجتمعات التي تدل على أحوالها وأنماط تفكيرها.

ومما أكسبها مكانة متميزة أن معظمها له قيمة أخلاقية ووظيفة تهذيبية، كما أنها بسيطة في مفرداتها؛ ما يُسهِّل فهمها وإدراك معانيها لفئات المجتمع كافة، بغض النظر عن مستوياتهم التعليمية.

ولأن الشعوب العربية ذوو تاريخ عريق، وشهدوا حضارات مزدهرة في وقت كان فيه الآخرون يعانون التخلف والتراجع، ومروا بتجارب وأحداث كان لها تأثير كبير في فكرهم ووعيهم ونمط حياتهم.. فقد أسهمت الأمثال الشعبية في نقل تلك الحضارات، وتأثرت بها في الكثير من ألفاظها.

كل هذا لا خلاف عليه، لكن يلاحظ أن كثيرًا من الناس يأخذون تلك الأمثال على أنها حقائق مُسلَّم بها، ولا تقبل النقاش أو الجدل، وكأنها نصوص قرآنية مقدسة. وهذا خطأ بطبيعة الحال؛ لأنها نتاج فكر بشري؛ يحتمل الصواب والخطأ.

فهناك أمثال شعبية تتعارض مع الدين والعقيدة، كقولهم مثلاً "الصبر يودّي القبر"، في حين أن الله سبحانه وتعالى امتدح الصابرين وسمى نفسه "الصبور". وقولهم أيضًا "الحياء في الرجل يورث الفقر"، وكأن الرجال مطلوب منهم أن يكونوا بلا حياء!! وكذلك المثل الذي يقول "إذا حاجتك عند الكلب قول له يا سيدي"، وهي دعوة واضحة وصريحة للنفاق.

كذلك يلاحَظ أن كثيرًا من الأمثال الشعبية تحط من قدر المرأة، وتنتقص من مكانتها، وبالرغم من ذلك فإنها تقال بصورة عفوية، وكأنها من الحقائق التي لا خلاف حولها، مثل "يا جايب البنات يا حامل الهم للممات".

ومن أكثر ما يشعرني بالأسف أن معظم النساء والفتيات يرددن تلك الأمثال بمنتهى الببغائية دون تفكير أو تأمُّل في معناها.

وأذكر أنني لاحظت مرة أثناء زيارتي لإحدى صديقاتي من جنسية عربية أن والدتها تدلل ابن ابنها، وتعتني به، فيما تتجاهل ابن صديقتي بصورة واضحة. وعندما سألتها عن ذلك قالت لي بمنتهى البساطة والعفوية: "يا بنتي كبارنا يقولون في المثل ابن الولد قريب وابن البنت غريب". عندها نظرت بطرف عيني لصديقتي فوجدت الحسرة مرسومة على وجهها كأوضح ما تكون.

فكرت في أن أوضح لها أن هذه مفاهيم خاطئة؛ ينبغي أن تتغير فورًا، وأننا إذا لم نشعر بالتقدير لذواتنا كإناث، وننظر لأنفسنا باحترام، فلن يكون بوسعنا أن نطالب الرجال باحترامنا ومنحنا ما نستحقه من مكانة كفلها لنا الشرع الكريم، لكنني امتنعت عن ذلك لسبب لا أدريه، لكن ما أنا على ثقة به هو أنني شعرت بطعم المرارة في حلقي.

ما أود قوله هو أن هذه الأمثال الشعبية المتوارثة التي استجلبناها إلى حاضرنا، وارتضينا أن تكون جزءًا من واقعنا كما هي، بدون أي تغيير أو تأمُّل لما في بعضها من أخطاء، وأصبحت جزءًا من الوعي الجمعي الشعبي العام، فيها ما هو صواب يوافق الفطرة والدين والعقل، وكذلك بها ما اختلط فيه الجيد بالسيئ، والحقائق بالأساطير.. لذلك علينا أن نتعامل معها على قاعدة "حسنها حسن وقبيحها قبيح"؛ فلا قداسة إلا لنصوص القرآن الثابتة وصحيح الأحاديث النبوية. رُفعت الأقلام وجفت الصحف.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org