مشاهير التواصل والعزف على أوتار الفوضى..!!
ارتبط ظهور وسائل التواصل الاجتماعي بالعديد من اللغط الذي أثارته بسبب تأثيرها الكبير على حياتنا، وقدرتها الفائقة على الوصول لشرائح المجتمع كافة بدون استئذان، ودورها في حشد الرأي العام، وصناعة رد الفعل، وتشكيل المواقف.
هذا الدور كان محصورًا في السابق على وسائل الإعلام التقليدية، مثل الصحف والقنوات الفضائية والمحطات الإذاعية، وهي وسائل محكومة بأنظمة ولوائح واضحة، ومواثيق شرف إعلامية، تُنظِّم عملها، وتمارس عليها رقابة قانونية.. كما أن العاملين فيها متخصصون في عملهم، وهناك جامعات تقوم بتدريس مهنة الإعلام، ومؤسسات تتولى تدريب العاملين على أصول المهنة وقواعدها.. لكن ما نشاهده حاليًا في وسائل التواصل الاجتماعي مختلف تمامًا؛ إذ تحوَّل الأمر إلى ما يشبه البازار، أو السوق المنفلت الذي لا ضابط له ولا رقيب؛ فبإمكان كل شخص أن يقوم بكتابة المنشور الذي يريده، ويقوم بنشره؛ ليصبح في غضون ثوانٍ معدودات بمتناول الجميع.
هذا الوضع الغريب أفرز العديد من السلبيات، وتعرَّض بسببه كثير من الأشخاص والمؤسسات والكيانات إلى أضرار كبيرة.
ومما يزيد من خطورة المنتج الذي تعرضه وسائل التواصل الاجتماعي أن الناشطين فيها يبحثون بأي وسيلة عن الوصول إلى "الهاشتاغ" و"التريند"؛ لزيادة عدد متابعيهم؛ ومن ثم مضاعفة أرباحهم؛ لذلك يتعمد الكثيرون نشر مواد مخالفة للأنظمة، قد تُعرِّض السلم المجتمعي للخطر. ومع إدراكهم هذه الحقيقة فإنهم يقومون بذلك؛ لأن العقوبات التي قد تطولهم أقل بكثير من المكاسب التي يحققونها.
إضافة إلى ما سبق فإن بعض المواقع، مثل "تيك توك"، أصبحت تُشكِّل خطورة على مجتمعنا، وأبنائنا على وجه التحديد؛ فهذا التطبيق الذي يمتاز بكثرة مستخدميه من الشباب والأطفال بدأ خلال الفترة الماضية في بث برامج تحدٍّ ومسابقات، تُشكِّل خطورة على الحياة، من بينها فيديو باسم "تحدي الموت"، تقوم فيه مجموعة من المراهقين بكتم أنفاس أحدهم لمعرفة الفترة التي يكون فيها قادرًا على البقاء لأطول فترة دون تنفُّس! إضافة إلى فيديوهات خطيرة، مثل تصوير مقطع في مناطق شاهقة الارتفاع، أو بالقرب من مرور أحد القطارات أو خطوط السير السريعة، أو ابتلاع الحشرات وقِطَع الزجاج..
كذلك فإن غرف الدردشة التي يتواصل فيها الأطفال مع آخرين، وتحمل اسم جيست (GUEST)، توفر بيئة خصبة لوقوع العديد من المخالفات؛ لأن الحديث فيها يتم مع شخصيات افتراضية، لا يدري أحد شيئًا عن هويتها وحقيقتها؛ وهو ما يمكن أن يقود إلى التحرش، والعُري، والعنف، وترويج المخدرات.. وقد يصل الأمر إلى التحريض على الانتحار.
ويكمن وجه الخطورة في أن هؤلاء الذين أصبحوا في لمح البصر من المشاهير المعروفين بسبب تلك الوسائل تحوَّلوا إلى قدوات للشباب الذين يتابعونهم باستمرار.. وقطعًا سوف يحاولون تقليدهم، ومحاكاة ما يفعلون؛ لذلك فإن المطلوب من الذين أكرمهم الله بنعمة الشهرة أن يصبحوا أدوات تثقيف وتوعية، وأن يستغلوا تأثيرهم المجتمعي الكبير بصورة مثالية، يعززون بها المعاني الحقيقية للمواطنة الصالحة.
وعند التعامل مع الأبناء يجب الانتباه إلى أن الأجيال الجديدة تنفر من الوعظ المباشر، ولا يمكن منعها بالقوة من التعاطي مع هذه الوسائل؛ لأنهم يمكن أن يفعلوا ذلك بعيدًا عن أعيننا مع أصدقائهم وزملائهم؛ لذلك يجب أن نقترب منهم أكثر، وأن نفتح معهم حوارات شيقة بأساليب مقبولة، نوضح لهم فيها حقيقة الوضع، ونصل معهم إلى اتفاق بشأن الوقت الذي يقضونه في استخدام تلك الوسائل، وكيفية الاستفادة من إيجابياتها، وتجنُّب سلبياتها، والابتعاد عن المحظورات.
كما أتمنى من الجهات المختصة التشدد في تطبيق القوانين على المخالفين؛ فالفقرة (1) من المادة السادسة لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية تنص على أنه (يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كلُّ من يقوم بإنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي).