إِذَا لَمْ تُلْجَمْ خَنَقَتْ .

المركزية الشديدة هي قرينة البيروقراطية، فالعملية التعليمية في المناطق ترتبط بسلسلة طويلة من الهرمية الإدارية، تنتهي أصغر قراراتها إلى أعلى موقع قيادي في النظام التعليمي. وهنا أستذكر قول الوزير المبدع، د. غازي القصيبي في كتابه "حياة في الإدارة" "إن البيروقراطية إذا لم تُلجم، خنقت". فالمركزية الإدارية من أكبر مشكلات المناطق التعليمية في المملكة. كما ينسب إلى المركزية أيضاً أنها لا تشجع على الإدارة الذاتية، وبذلك تقضي على محاولات الابتكار والتجديد الإداري.

ولقد كان أحد التحديات الأكثر شيوعًا التي تواجهها المناطق التعليمية في المملكة العربية السعودية هي المركزية الإدارية، فلا يمكن لإدارة المناطق ولا المدارس على سبيل المثال: تحقيق كفايتها من المعلمين، ولا حاجتها من المباني التعليمية، ولا القيام بأعمال الصيانة الضرورية، فكم من مناطق إدارية تعاني من عجز في المعلمين، وكم هي بحاجة لمبانٍ تعليمية تتواءم والاحتياجات التربوية، وكم تعاني المدارس من حاجتها إلى أعمال صيانة ضرورية، تتحطم كل تلك الحاجيات على صخرة تعقيدات القرارات الإدارية. وفي دراسة مقارنة حديثة أجرتها جنادي (2022) أظهرت أن إدارة المناطق التعليمية في إنجلترا تقوم على مبدأ الإدارة المحلية للمناطق والمدارس وتعتمد على التفويض المالي ومنح المدارس سلطة اختيار وتعيين الأفراد العاملين، وتتمتع بالاستقلالية والمرونة في صنع القرار، واعتمدت إنجلترا في تطبيق مدخل الإدارة الذاتية للمناطق والمدارس على مبدأ (المشاركة) في اتخاذ القرار، بينما اقتصر تطبيق الإدارة الذاتية للمناطق وللمدارس في المملكة على النظريات والمشاريع التدريبية ولم تبدأ بتحقيق الإدارة الذاتية بشكل فعلي، وأنه على الرغم من منح وزارة التعليم في المملكة عددًا من صلاحياتها لإدارات التعليم إلا أنها لاتزال أقرب إلى المركزية منها إلى اللامركزية، وقد أشار تقرير وزارة التعليم،(2020)؛ والبراهيم، (2018)، وخليل، (2015) إلى أن النظام التعليمي في المملكة يعاني من عدد من التحديات أبرزها: المركزية الشديدة, وأنه يصعب على أي نظام تربوي أن يؤدي مهامه بفاعلية في ظل انعدام وجود جهاز تربوي إداري مرن خالٍ من الروتين والبيروقراطية.

ويبقى التحدي قائماً بين تحقيق التوازن الصحيح في إدارة العملية التعليمية من خلال المركزية، أو منح المناطق والمدارس استقلالية كافية لإدارة عملياتها. حيث يمكن للنموذج المركزي بالكامل أن يحد من مشاركة المناطق التعلمية والمدارس، في حين أن اللامركزية الكاملة يمكن أن تخلق زيادات غير ضرورية وعدم كفاءة، فنحن بحاجة إلى تطبيق لامركزية رشيدة بين المركزية واللامركزية تمنح المناطق التعليمية صلاحيات بتعيين معلمين لسد العجز، والقيام بأعمال الصيانة للمباني، من خلال الاعتماد على مشاركة المجتمع المحلي، وعدم تكليف الوزارة أي أعباء مادية، فعندما يُسمح للمناطق والمدارس باتخاذ قرارات محلية تعكس الاحتياجات التعليمية؛ كلما كانت القرارات أقوى فاعلية. فالإصلاح عادة ما ينشأ في القاع ويجد طريقه إلى القمة. وقد ذكرRobert ‏،(.(2016أن نقطة البداية الواضحة هي الهيكل العام للوزارة. فأستراليا وكندا والولايات المتحدة تمتلك أنظمة فيدرالية تُمنح فيها سلطات كبيرة للمناطق. فدرجة اتخاذ القرار الإقليمي في كندا، كبيرة جدًا لدرجة أن هيكل ومحتوى التعليم يختلفان اختلافًا جوهريًا في مقاطعات مثل ألبرتا وكيبيك. والمملكة المتحدة على الرغم من أنها ليست نظامًا فيدراليًا، تتمتع بدرجة كبيرة من اللامركزية، وبعض الأنظمة الكونفدرالية لديها درجات أعلى من اللامركزية. في سويسرا، 26 كانتونًا، لكل منها قوانينها المدرسية ونظامها التعليمي الخاص.

أخيراً: ونحن نعلم أن رؤية 2030، وبرنامج التحول الوطني 2020، هي رؤية وطن طموح، يرعاها بشكل مباشر سمو ولي العهد، فيجب أن ترتقي جميع أجهزة الدولة إلى تطلعات القيادة، وتنفيذ خططها، وفي رأيي أن المركزية المطلقة، تحتاج إلى لجام وتقييد، وأن اللامركزية المطلقة فساد كبير، لذا، فنحن بحاجة إلى وسطية في تنفيذ اللامركزية، وفي رأيي أن نظام المناطق التعليمية الذي يعتمد على اللامركزية الموجهة، أو نظام الإدارة الذاتية كوحدة تربوية أساسية، هو وسط بين المركزية التي كانت تعاني منها المناطق، وبين اللامركزية التي يجب أن تتبناها وزارة التعليم وتنقلها للمناطق والمدارس، ولكن الأمر يتطلب قناعة من المسؤولين بالتعليم أولاً بهذا النظام، وثانياً معرفة كاملة لمتطلبات النظام من قبل إدارات التعليم ومديري ومعلمي المدارس، وأخيراً توفير ما يتطلبه تطبيق هذا النظام من قبل وزارة التعليم.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org