قمة جدة.. شركاء لا أتباع

جاءت زيارة بايدن للمملكة وعقد قمة جدة على أراضيها، اعترافًا بمكانتها ودورها وأهميتها في النظام العالمي، وتلقى الرئيس الأمريكي رسالة واضحة من قيادتها الشابة، بأننا نحرص على علاقاتنا مع أصدقائنا؛ لكننا لا نفرّط بمصالحنا ولا نتخلى عن قرارنا الوطني المستقل.

وفي كلمته أمام القمة، كان سمو ولي العهد واضحًا وصريحًا مع الضيف الأمريكي وملخص ما قاله، أننا نحرص على الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة؛ لكننا لسنا أتباعًا ولم نعد على استعداد لنتلقى مواعظ ودروسًا في الأخلاق من أحد. وهذا ما اتضح أيضًا في كلمة سموه أمام القمة أيضًا، فمع تأكيد سموه على حرص المملكة في الحفاظ على التوازن في سوق الطاقة؛ إلا أنه قال: ليس من الحكمة إقصاء مصادر الطاقة الرئيسية في العالم؛ في إشارة إلى العقوبات على صادرات النفط والغاز من روسيا العضو في أوبك+ إلى جانب المملكة.

وفي أثناء وجود بايدن في "إسرائيل" دار الحديث عن التجييش واللجوء إلى عمل عسكري ضد إيران في حال فشل مفاوضات البرنامج النووي الإيراني. وفي قمة جدة، سمع الرئيس الأمريكي من القادة الخليجيين أن الحوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى هو الحل الوحيد لحل النزاعات، مع التأكيد على حرص المجتمعين على ضرورة خلوّ منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.. كانت هذه رسالة أخرى للرئيس الأمريكي بأن "إسرائيل" تملك أسلحة نووية؛ فعلى الرغم من الخلاف مع المشروع الطائفي الإيراني إلا أن "إسرائيل" كدولة محتلة لا تقل خطورة عن التهديد الإيراني للأمن العربي ولا يمكن أن يتحقق الاستقرار في المنطقة مع استمرار "إسرائيل" في تجاهل القانون الدولي ورفض مبادرات السلام، كما أكد ذلك قادة مصر وقطر والأردن.

لهذا لم تتطرق القمة إلى موضوع ما قيل إنه "نيتو عربي" أو إلى "إدماج إسرائيل" في النظام العربي أو التعاون العسكري والتقني معها؛ فهي ليست حريصة على أمننا أكثر منا.

وكشفت قمة جدة أن الرياح تأتي بما لا تشتهيه سفن السياسية؛ فقبل القمة دار حديث كثير عن مخططات وتحالفات عسكرية جديدة في المنطقة، كما بشر الرئيس الأمريكي جو بايدن بإدماج إسرائيل في المنطقة العربية. كان واضحًا من زيارة بايدن لحلفائه في "إسرائيل" أن هدف الزيارة الرئيس هو تجديد الدعم الأمريكي السخي لهذا الكيان وكان واضحًا هذا الارتياح الذي شعر به وهو "يعود إلى الوطن"، كما قال، ويبكي على ضحايا المحرقة اليهودية، إضافة إلى تأكيده أنه ليس من الضروري أن تكون يهوديًّا لتكون صهيونيًّا؛ وهو ما يفتخر به؛ بينما خصص ساعة من وقته ليلتقي بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في بيت لحم دون أن يعلن أي التزام عملي بتنفيذ حل الدولتين الذي قال بأنه يؤمن به؟

وقد أجمع المحللون والمراقبون أن زيارته لـ"إسرائيل" تأتي ضمن حملة علاقات عامة لكسب أصوات اليهود واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة في الانتخابات النصفية؛ في الوقت الذي أظهرت فيه استطلاعات الرأي العام تدني شعبية الرئيس الأمريكي والحزب الديمقراطي.

وبعد اختتام زيارته أعلن الرئيس بايدن، أنه الرئيس الأمريكي الأول الذي سيطير مباشرة من تل أبيب إلى جدة في الوقت الذي أعلنت فيه هيئة الطيران المدني السعودي فتح أجواء المملكة لكل الرحلات الجوية المدنية المستوفية للشروط. وهذه الخطوة -مثل ما قال وزير الخارجية فيصل بن فرحان- "ليست مقدمة لعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل أو لخطوات قادمة أخرى".

وفي لقائه مع سمو ولي العهد، أبلغ سموه الرئيسَ بايدن، بأن الولايات المتحدة يجب ألا تكون انتقائية في تطبيق القانون الدولي، وبخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فالرئيس الأمريكي صافَحَ القادة الإسرائيليين بحرارة وهو يعلم أن أياديهم ملطخة بدماء الشعب الفلسطيني ولا يكترث لتحقيق العدالة لمن يقتلون بدم بارد حتى لو كانوا يحملون الجنسية الأمريكية مثل مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org