العادات (2)

تم النشر في

يقول العلماء: إن العادات تنشأ لأن المخ دائماً ما يبحث عن طُرق لتوفير الجُهد، فالمخ يحاول أن يحول أي أمر روتيني إلى عادة، وهذا ما يسمح لعقولنا بأن تخفف نشاطها.

لكن قد تحرمنا الطريقة ذاتها متعة الحياة وتطمس عقولنا من حُرية التأمل والتفكر، ونسير كالأنعام أو أضل، لذلك الكثرة في شيء ليست دليلاً على الحق، وقد حذر الله سبحانه نبيه الكريم في آية صريحة من اتباع الناس فقال سبحانه: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}، فتأمل في قول الله سبحانه "أكثر من في الأرض" بمعنى أنه عموم شامل لاختلاف الزمان والمكان، وذكر الله سبحانه في آيات عدة أن إجماع الناس دائماً لا يكون الصواب ومن تلك الآيات: {وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، {وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}، {وَأَكثَرُهُم لاَ يَعقِلُونَ} إذاً قد يكون أصل هذه العادات والسلوكيات خاطئاً وهذا في غالِبها كما بينت تلك الآيات.

وفي سؤال استنكاري أورده الأديب د.مصطفى محمود وهو لماذا حث الله سبحانه على الهجرة؟ فأجاب بقوله: إن الإنسان كسول بطبعه بمعنى أنه لا يحب التجديد ولا التبديل ولا التغيير، فتراه يرفض كل جديد ويحاربه من أجل عاداته التي ألِفها واعتادها، ولذلك أمر سبحانه بالهجرة وحث عليها وسوف يحاسب من يتخلف عنها، قال سبحانه: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}؛ فطبيعة الإنسان القصور الذاتي، فإذا كان على وضع لا يحب أن يتغير إلى غيره؛ مثلاً إذا كان واقفاً لا يحب أن يجلس، وإذا كان نائماً لا يحب أن يستيقظ...

لذلك يدعو الله سبحانه إلى التغيير والتجديد التأمل والتدبر والتفكر والاتباع بعقل مبين، فقال سبحانه: {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ} وقال سبحانه: {لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.

ويذم الله سبحانه أولئك المتبعين لسنن وعادات من قبلهم دون فقهٍ ولا وعيٍ منهم قال سبحانه: {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ} .

يمثل الدين جزءاً كبيراً من تلك العادات التي يمارسها الفرد في يومه وحياته، وذكر المؤلف والفيلسوف الأمريكي ديل كارنجي في كتابه "دع القلق وابدأ الحياة" أنه لكي تحيا وتعيش لا بد من اعتناق ديانة تملأ بها حياتك بعاداتها والتزاماتها الدينية التي ترتب حياتك وتقيم صلبك، وحتى يكون الإنسان في منأى على الأقل من تلك الأمراض النفسية أو الانتحار لربما لأنه سيكون مشغولاً بهذه الشعائر وستملأ يومه وحياته.

لذلك ذكر المؤلف بسام الساعي في كتابه "إدارة الصلاة" على سبيل المثال فريضة الصلاة، هذه العادة اليومية، وتحدث عنها في قراءة مستفيضة، فمثلاً لماذا جعلها الله متنوعةً في أوقاتها وعدد ركعاتها وسننها وقراءاتها حتى في أدعيتها للوقوف دعاء للركوع كذلك وللسجود آخر وللجلوس غيره؟ حتى يجعل الله المُصلي خاشعاً حاضر الذهن والفكر بعيداً عن الشرود، وحتى يؤدي عبادةً وليس عادةً جوفاء قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.

لذلك التغيير والحركة سنّة أجراها الله سبحانه في هذا الكون إلى قيام الساعة حتى تلك الجمادات التي تظن أنها جامدة.

وذكر المؤلف د.سبنسر جونسون في كتابه "من حرّك قطعة الجبن الخاصة بي" أن التغيير حاصلٌ في حياة كل إنسان على الأرض وهذا مما لا شك فيه، لذلك كل النعم التي نتمتع بها في حياتنا أصبحت عادات اعتدناها فأصبحت باهتة في نظرنا خاليةً من أي تأمل أو تفكر ولذلك غفلنا عن شكر الله عليها وصدق القائل سبحانه: {وقليل من عبادي الشكور}.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org