ممارسات منصات التواصل الاجتماعي تثير القلق بشأن الخصوصية وجمع البيانات
في تقرير حديث أصدرته لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية (FTC) قبل عدة أسابيع بعنوان “نظرة خلف الشاشات: دراسة ممارسات بيانات منصات التواصل الاجتماعي وخدمات البث المباشر”، حيث تم تسليط الضوء على ممارسات مقلقة تتبعها كبرى الشركات التكنولوجية العالمية في جمع واستخدام البيانات الشخصية للمستخدمين. يكشف التقرير عن جمع هذه الشركات لكميات هائلة من البيانات ليس فقط عن المستخدمين، بل وحتى عن الأشخاص الذين لا يستخدمون منصاتها، مع تقييد ضئيل أو عدم وجود رقابة فعلية على كيفية استخدام هذه البيانات.
أوضح التقرير أن هذه الشركات تجمع بيانات متنوعة تشمل معلومات شخصية وسلوكية وحتى حساسة مثل الاهتمامات، المعتقدات الدينية، والحالة الصحية، بهدف استخدامها في الإعلانات المستهدفة أو دعم خوارزميات الذكاء الاصطناعي. كما يشير التقرير إلى أن بعض هذه الشركات تعتمد على تقنيات تتبع غير مرئية مثل “البكسلات”، التي ترصد كل حركة يقوم بها المستخدم داخل وخارج المنصات، مما يثير مخاوف كبيرة بشأن انتهاك الخصوصية.
يشير التقرير إلى ضعف حماية الشركات العالمية للأطفال والمراهقين الذين يُعاملون في بعض الأحيان كالبالغين فيما يتعلق بجمع البيانات. هذه النقطة بالتحديد تستدعي اهتماماً خاصاً كما نص نظام حماية الطفل في المملكة، حيث يتطلب الحفاظ على الخصوصية الرقمية وتوفير بيئة آمنة على الإنترنت تعزيز إجراءات حماية خصوصية الفئات العمرية الصغيرة.
في ظل هذه المخاوف العالمية حول ممارسات الشركات التكنولوجية الدولية، يصبح من الضروري تعزيز وتمكين الشركات الوطنية السعودية لتكون بديلاً رقمياً يتماشى مع سياسات وسيادة البيانات في المملكة. إن الاعتماد المتزايد على منصات التواصل الاجتماعي وخدمات البث المباشر الدولية يزيد من مخاطر تعرض بيانات المواطنين والمقيمين للتجسس أو الاستغلال من جهات خارجية لا تلتزم بالقوانين المحلية المتعلقة بالخصوصية وحماية البيانات وغيرها من الأنظمة.
إن تمكين الشركات السعودية في مجالات التكنولوجيا الإعلانية، ومنصات التواصل الاجتماعي، والبث المباشر، يمكن أن يسد الفجوة ويوفر حلولًا محلية تحترم السيادة الرقمية للمملكة. هذا الأمر يتماشى مع أهداف رؤية 2030 التي تركز على تعزيز الابتكار المحلي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي الرقمي، وتطوير صناعة تقنية معلومات وطنية قادرة على المنافسة دوليًا.
من خلال دعم الشركات الوطنية في هذا المجال، ستتمكن المملكة من ضمان الامتثال التام لكافة الأنظمة المحلية بما فيها المتعلقة بحماية الخصوصية والبيانات. عبر تمكين منصات وطنية قوية وموثوقة لن تكون فقط قادرة على حماية بيانات المواطنين والمقيمين، بل ستسهم أيضًا في تحقيق سيادة البيانات وتعزيز الاقتصاد الرقمي للمملكة وتقليل الاعتماد على الشركات الخارجية التي قد تكون أقل التزامًا بالقوانين في المملكة.
كما أن بناء منصات سعودية بديلة سيتيح السيطرة الكاملة على البيانات داخلياً، مما يضمن حماية خصوصية المستخدمين ويعزز أمن المعلومات. في الوقت نفسه، يمكن لهذه الشركات تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها بطريقة تراعي القيم والثقافة المحلية، بدلاً من الاعتماد على خوارزميات خارجية غير خاضعة للرقابة.
ويأتي هذا التقرير في وقت حرج، حيث تتزايد المخاوف العالمية حول استخدام البيانات الشخصية. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن الحل الأمثل يكمن في تعزيز السيادة الرقمية من خلال تمكين الشركات الوطنية لتكون البديل الأمثل لمنصات التواصل الاجتماعي والبث المباشر العالمية، مع التركيز على الامتثال للخصوصية وسيادة البيانات.