المال
المال يُطلق على كل ما يملك من متاعٍ أو عروض تجارة أو عقار أو نقود أو حيوان، وبمفهومه الشامل: هو كل ما يمكن ملكه والتصرف فيه بذلاً ومنعاً مع ادخاره إلى وقت الحاجة، والانتفاع به انتفاعاً معتاداً، وللمال أهمية عظيمة عند الله -سبحانه وتعالى-، وورد ذكر مادة المال ٨٦ مرة باشتقاقاتها المختلفة وقد جُبِلت النفس على حُب المال وإدخاره وهو حبٌ فطري قال سبحانه (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمَّا) الفجر-٢٠ (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبّهِ ) البقرة-١٧٧ وكما في الحديث لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، بل إن المال شقيق الروح وأصل المال ومرجعه لله -سبحانه وتعالى- وإليه يُنسب قال سبحانه {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} النور-١٣٣ ويرزق الله عباده المال لفتنتهم {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} التغابن-١٥، إما ينفقه في وجوه الخير فيتقرب به إلى الله سبحانه وإما ينفقه في وجوه الشر والفتنة فيبعده الله عنه وبئس المصير.
وقد افْتُتِن الصحابة -رضوان الله عليهم- به في غزوة أحد فقال –سبحانه- {حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وتنازعتم فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ) آل عمران- ١٥٢من الأموال والغنائم {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ} آل عمران-١٥٢.
تدبّر في هذا القول العظيم لمَن؟ لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرؤية المال اختبار للثبات على الدين والمبادئ وهو سبب للخلاف والتنازع بين المسلمين على مر العصور والقرون وفي الحديث(أن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي في المال)، وذُكِر المال في القرآن الكريم مقدماً على الأولاد وفي ٢٤ موضعاً وذلك لعظم فتنة المال في الإلهاء والإبعاد عن طاعة الله ولعظم أهمية المال عظّم الله حِفظُه فقال سبحانه {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}النساء-٥ وذكر الألوسي في تفسير ذلك أن السفهاء هم الذين لا يحسنون التصرف في المال إما لصغر أو لفساد في العقل أو لعجز عن التدبير، وقد يشمل ذلك المبذرين حتى إن كانوا بالغين عاقلين.
قوله {أموالكم} يشير إلى أن الله تعالى نسب الأموال إلى المخاطبين (العُقلاء ) مع أن الأموال قد تكون ملكًا للسفهاء، لأن المصلحة في حفظها تعود إلى الجماعة والأمة، فلو ضاعت أموال السفهاء لفسدت أحوالهم وأحوال مَن يعولونهم وقد يكون ذلك ضررًا عامًا كما أن هذه الإضافة تُفهم من باب العناية بالأموال التي بيد الأولياء، كأنها أموالهم لوجوب حفظه.
وكان السلف يقولون : المالُ سِلاحُ المؤمنِ، ولَئِنْ أتركَ مالًا يُحاسِبُني اللهُ عليهِ، خيرٌ من أنْ أحتاجَ إلى النّاس، ونهى سبحانه عن التبذير به فقال سبحانه {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} الإسراء-٢٦ ذكر الشافعي في معنى التبذير انه انفاق المال في غير حقه.
ولا تبذير في عمل الخير وهذا قول الجمهور كما نهى سبحانه عن البخل {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِرُهُ لِلْعُسْرى} الليل-٨ وفي الحديث (مَا مِنْ يَوْمِ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا متفقٌ عَلَيْهِ).
وقد أرشدنا -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم إلى أفضل الطرق لإنفاق الأموال والتصرف فيها فقال سبحانه {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطُهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} الإسراء-٢٩