كيف يتعامل أهل بريدة مع المشاوير؟

تم النشر في

أتحدّث اليوم عن أهلي وأجدادي وأعني بهم أهل بريدة، الذين تعلّمت منهم حزمة وكوثراً من الأشياء النافعة، وهذا الذي تعلّمته قد يكون موجوداً في المدن الأخرى، لكنني تعلّمته وعرفته منهم، لذلك سأدير الحديث على ما تعلّمته من أجدادي في بريدة… وخاصة فيما يتعلّق في " #اقتصاد_المشاوير ..!

إنّ مفهوم اقتصاد المشاوير هو توسيع عبارة "ضرب عصفورين بحجر واحد"؛ بمعنى أنك تقضي حاجات متعددة في المشوار الواحد!

خذ مثلاً:

لا يمكن أن يخرج أو يسافر أحد من بريدة لقضاء مشوار واحد ؛ لأنه يرى أن الحاجة الواحدة لا تستحق السفر، بل يسافر من أجل قضاء عدة حاجات!

إنّه تفوّق على الشافعي الذي يقول:

تغرَّب عن الأَوطانِ في طَلَبِ العُلا..

وسافر ففي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ

تَفَرُّجُ هَمٍّ واكتِسابُ معيشةٍ..

وَعِلمٌ وَآدابٌ وصُحبَةُ ماجِدِ

إنّ أهل بريدة تجاوزوا مفهوم الشافعي في فوائد السفر، وأوصلوها إلى أكثر من عشر فوائد!

لقد سافرت قبل أربعين سنة مع أحد أقاربي بالسيارة من بريدة إلى المدينة المنيرة -على ساكن ثراها الصلاة والسلام-، حينها عرفت أن أهل بريدة القدامى إذا سافروا إلى المدينة -مثلاً- فهم يسافرون من أجل قضاء عدة حاجات قد تتجاوز العشر، وهي:

أولاً: التشرّف بالصلاة في المسجد النبوي الشريف.

ثانياً: يسلّم على الرسول ﷺ وصاحبيه أبي بكر وعمر.

ثالثاً: يحضر بعض الدروس الوعظية في المسجد النبوي، ويطلب العلم على يد بعض مشايخها حتى لو كانت المدة أسبوع، فكل علم ينفع.

رابعاً: يجلب بعض الدواب والتمور من بريدة لبيعها في المدينة.

خامساً: يشتري بعض التمور التي اُشتهرت بها المدينة لبيعها في بريدة.

سادساً: يشتري عقاراً هناك في المدينة، وقد يبيع عقاراً اشتراه في زيارته السابقة.

سابعاً: يخطب امرأة ويمسكها بمعروف، وقد يطلّق أخرى ويسرحها بإحسان.

ثامناً: يزور أخته التي خرجت للتو من الولادة "النفاس".

تاسعاً: يسلّم على بعض أقربائه الذين يعتبر صلة رحمهم واجبة.

عاشراً: يذهب إلى الأسواق في المدينة ليتعرّف على آخر البضائع والسلع التي وصلتها، لأنها حاضرة من الحواضر الإسلامية المهمة.

يقول أهلنا في مكة:

"حج وبيع سبح" وهم يقصدون تحقيق هدفين من مشوار واحد، بينما أهل بريدة يقولون:

"حج وقضاء حاجة"، ولم يحددوا هذه الحاجة ببيع السبح، بل تركوا النص مفتوحاً لكل الاحتمالات والحاجات المتعددة التي قد تصل إلى تسع أو عشر حاجات، والإنسان الحي لا تنتهى حاجاته إلا بموته، لذلك يقول الشاعر الصلتان العبدي:

نَروحُ وَنَغْدو لحاجاتنا..

وحاجةُ من عاش لا تَنقضيْ

تموتُ مَعَ المَرْءِ حاجاتُه..

وتبقى له حاجةٌ ما بقيْ

حسناً ماذا بقي؟

بقي القول هذه بعض مزايا أجدادي أهل بريدة الذين تعلّمت منهم استغلال فرصة الوقت وتوظيفه في قضاء وإنجاز أعمال كثيرة ، لذلك حين أخرج لرياضة المشي🚶‍♂ أقوم معه بالتالي:

أولاً: أقوم بالتصوير.

ثانياً: أسمع محاضرة جيدة عبر الكتاب المسموع.

ثالثاً: اكتشف الجديد في الحي.

رابعاً: أسلّم على الناس .

خامساً: أكسب الصدقات من خلال ابتسامتي في وجوه العابرين.

وهكذا أستثمر الوقت وأشحنه بكل ما هو مفيد وأقضي أكثر من عشر حاجات في وقت واحد!

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org