باب ما جاء في حب الوطن..!
حب الوطن كحب النفس، والمال، ونحوهما.. كل ذلك غريزي في الإنسان..! وقد دعا الإسلام إلى المحافظة على الإنسان وسلامة الأوطان؛ فجعل حفظ النفس من مقاصده الكلية التي جاءت الشرائع لتحقيقها، وارتقى بهذه المقاصد من مرتبة الحقوق إلى مقام الواجبات؛ فلم تكتفِ الشريعة الغراء بتقرير حق الإنسان في الحياة وسلامة نفسه، بل أوجبت عليه اتخاذ الوسائل التي تحافظ على حياته وصحة بدنه، وتمنع عنه الأذى والضرر..!
وحفظ النفس وصيانتها من الضروريات الخمس التي اتفقت عليها جميع الشرائع، قال الإمام الشاطبي في (الموافقات) "1/ 31، ط/ دار ابن عفان": "فقد اتفقت الأمة، بل سائر الملل، على أن الشريعة وُضعت للمحافظة على الضروريات الخمس، وهي الدين، النفس، النسل، المال والعقل. وعلمها عند الأمة كالضروري، ولم يثبت لنا ذلك بدليل معين، ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه، بل علمت ملاءمتها للشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد. ولو استندت إلى شيء معيَّن لوجب إعادة تعيينه".
ومن مظاهر دعوة الإسلام إلى سلامة الأوطان أن جعل حب الوطن معنى فطريًّا غريزيًّا نابعًا من شعور الإنسان بالانتماء إليه، وحنينه إلى المكان الذي ترعرع فيه، وأصبحت له ذكريات تربطه بمن نشأ بينهم من أهل وأحباب. وقد ظهر ذلك جليًّا في أفعال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ إذ كان حب الوطن من أخلاقه، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا قدم من سفر، فأبصر درجات المدينة، أوضع ناقته وإن كانت دابة حركها" أخرجه البخاري في صحيحه. قال أبو عبدالله: زاد الحارث بن عمير عن حميد: حركها من حبها.
وقال الإمام ابن بطال في شرحه (4/ 453، ط/ مكتبة الرشد): "من حبها" أي لأنها وطنه، وفيها أهله وولده الذين هم أحب الناس إليه، وقد جبل الله النفوس على حب الأوطان، والحنين إليها.
وقال الإمام الزمخشري -رحمه الله تعالى- في "أساس البلاغة" (2/ 343، ط/ دار الكتب العلمية): "كل يحب وطنه وأوطانه، وموطنه ومواطنه" أ.هـ وختامًا.
وحذر الإسلام من المساس بأمن الوطن، وترويع المواطنين، وجعل الإسلام حفظ الأوطان مقصدًا شرعيًّا مرعيًّا، يأثم من يخل به؛ قال الله تعالى {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} (البقرة/ 60)، وقال تعالى {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} (الأعراف / 56).
وبناء على ذلك، فالمحافظة على الإنسان والحرص على سلامة الأوطان أمرٌ فطري وواجب شرعي، دلت عليه النصوص الشرعية القطعية.
وكل عام وأعوام ووطننا الغالي (المملكة العربية السعودية) بخير، وفي خير وإلى خير، في عامه الـ94، وأن يحفظ عليها أمنها واستقرارها، في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله تعالى-.