تسويق الثقافة أم الاعتزاز بالهوية؟
خلال إقامة مباريات كأس العالم في قطر تداول البعض من العرب، والخليجيين تحديدًا، مصطلح التسويق للثقافة العربية، وعلّق الكثير ممن تابعوا مباريات كأس العالم على ارتداء الجماهير الأجنبية للزي الخليجي، بأن قطر نجحت في تسويق الثقافة العربية خلال البطولة! فهل هذا صحيح؟
وللوصول إلى قاعدة صحيحة حول هذا الموضوع دعونا نطرح عددًا من الأسئلة ونحاول الإجابة عنها:
أولًا: هل يعتبر توزيع الزي المحلي "الشماغ والطاقية والعقال والثوب"، وصناعته بأشكال مختلفة وألوان جديدة، وتوزيعه على الجماهير؛ تسويقًا لثقافتنا أم اعتزازًا بهويتنا؟
ثانيًا: إنْ كان هناك من يظنّ أن ثقافتنا وهويتنا تختزل في تلك الملابس؛ فهو مخطئ!
ثالثًا: بعد كل تلك السنوات وكل تلك المنجزات: هل نحن بحاجة لتسويق ثقافتنا للغرب؟
أعتقد أن الصواب هو القول بأننا قمنا بإعادة تصدير بعض من ثقافتنا وإبراز شيء من هويتنا لـ"الغرب الجديد"، وأعني بذلك أن هناك من الأجيال الجديدة في الغرب مَن يجهل المنجزات العربية والإسلامية، ونحتاج إلى مخاطبتها من جديد، وإلا فقادة العرب وعلماء المسلمين القدماء، يتداول الغرب صورهم وأسماءهم في مؤلفاتهم وفي جامعاتهم وفي متاحفهم، ويستفيدون من ابتكاراتهم واختراعاتهم وقوانينهم باستمرار.
وقد جرت العادة في جميع اللقاءات التي يتم فيها استقبال الوفود الرسمية في دولنا الخليجية، أن نرتدي البشت ونقدم القهوة العربية، وهذا من ضمن اعتزازنا بهويتنا، أمّا التسويق للثقافة فهو موضوع مختلف تمامًا عن موضوع الاعتزاز بالهوية، ويجب التفريق بين الحالتين؛ لأن الخلط بينهما ينم عن عدم إدراك لكل حالة.
حيث يعتمد التسويق الثقافي على عدة عوامل تساهم في تحقيق الهدف من ذلك، مثل عوامل اللغة والدين والعادات والتقاليد، بمعنى أن توظيف أحد تلك العوامل في المناسبات العامة، أو إبرازه بشكل مقصود؛ يعدّ مثالًا صريحًا للتسويق الثقافي، أمّا ممارسة تلك الأعمال كجزء من الحياة اليومية للعرب والمسلمين فهذا يعدّ اعتزازًا بالهوية، ومن الأمثلة على ذلك سجود بعض اللاعبين بعد تسجيل الأهداف أو نهاية المباريات، أو المصافحة بالسلام على جانبي الوجه، أو تقبيل الرأس أو الأنف، أو ارتداء الثوب والشماغ في الحياة اليومية، أو ترديد مصطلحات لغوية لها خصوصية محلية مثل: كلمة "أبشر" أو كلمة "ونعم" أو "ماعليك زود" عند التعرف على شخص جديد، أو تقديم بعض الأكلات الشعبية في المناسبات الرسمية، أو التنسيق لزيارة مواقع امتلاك الإبل أو الخيل أو الصقور، وليست المهرجانات التي تمارس فيها الرياضات أو الأسواق الخاصة بتلك الأنواع من الحيوانات؛ لأن ذلك يدخل ضمن تسويق الثقافة وليس اعتزازًا بالهوية.
لذلك يجب علينا أن نحدد ماذا نريد من تلك المناسبات، هل نريد التسويق للثقافة أم الاعتزاز بالهوية؟
لأن تحديد المسار يترتب عليه العديد من الأمور الأخرى التي لا تقلّ أهميةً عن المسار، مثل نوع المحتوى الذي نريد تسويقه، والفئات المستهدفة في ذلك، وعددهم، وطريقة إيصال تلك الرسائل لهم.