د. صعصعة يحترق.. من يهتم؟
صعصعة طبيب متميز يغادر منزله كل صباح متوجهاً لمستشفى حباشة، يومه حافل (مرور على المرضى، عمليات، عيادات، وأعمال إدارية... الخ)، يغادر 3-4 مساء أو قبلها بقليل، حيث ارتباطه بعمليات في مستشفى بنو حوثرة الخاص، ثم عيادة في مستشفى بنو حطمة، ليعود منتصف الليل وينام استعداداً ليوم جديد (هذا الجدول يومي).
أصيب صعصعة بالتعب والإرهاق العاطفي والعقلي والجسدي، متسائلاً هل يستطيع الاستمرار على هذا الحال وكم المدة؟ ثم بدأ الاجهاد والشعور بالإحباط من المرضى وعائلاتهم مردداً في سره "لا أصدق أنهم تحدثوا معي بهذه الطريقة"، ليبدأ بعدها نقص فعاليته والشك هل ما يقدمه سيحدث فرقاً ويتساءل: "ما الفائدة؟"، الطامة الكبرى أنه لا يستطيع طلب المساعدة أو التوقف حتى لا يُتهم بأنه مريض نفسي، والتزاماته عديدة.
لست وحدك يا صعصعة ففي استطلاع شمل 9175 طبيبًا، في أكثر من 29 تخصصًا بين يونيو2022 وأكتوبر2022)، 53٪ من الأطباء مرهقون مقابل 47٪ في العام السابق، الطبيبات أكثر عرضة للإبلاغ عن شعورهن بالإرهاق مقارنة بالأطباء بنسبة 63٪ و46٪ توالياً، في 2022 أبلغ 23٪ من الأطباء عن الاكتئاب مقارنة بـ 15٪ عام2018، وفقًا لتقرير Medscape's 2023 .
كان أطباء الطوارئ الأكثر عرضة للإرهاق بنسبة 65٪، تلاهم أطباء الباطنة(60٪)، والأطفال (59٪)، ثم أطباء النساء والتوليد والأمراض المعدية بنسبة %58. حوالي 43% من الأطباء قالوا إن الإرهاق أثر كثيراً على حياتهم، 65٪ تأثرت علاقاتهم، للأسف فقط 13% طلبوا مساعدة. وكذا حال طلاب الطب فهناك 15-30% يعانون الاكتئاب مقارنة بعامة السكان، الطامة الكبرى هناك 67% من الأطباء من المحتمل أن يتوقفوا عن الممارسة في غضون السنوات الخمس المقبلة نتيجة للإرهاق، أما ثالثة الأثافي فهناك 300-400 طبيب ينتحرون سنوياً.
ما يدعو للقلق والمسارعة لاتخاذ قرار عاجل أن التأثير السلبي يمتد تأثيره ليشمل رعاية المرضى وجودة الرعاية الصحية الشاملة، انخفاض رضا المريض وجودة الرعاية، زيادة الأخطاء الطبية، مخاطر سوء الممارسة، قلة التواصل، انخفاض الإنتاجية، ارتفاع معدل سرعة التغيير بين الأطباء والموظفين، التعاطي وقد ينتهي الأمر بانتحار الطبيب، ناهيك عن التأثير السلبي على نظام الرعاية الصحية.
هناك عوامل عديدة تساعد في حدوث الإرهاق ومنها عبء العمل، زيادة المرضى، الأعباء الإدارية، والسيطرة المحدودة على بيئة العمل، ساعات العمل (لكل ساعة إضافية يعملها الطبيب أسبوعيًا يزداد خطر الإرهاق بنسبة 3٪)، السجلات الصحية الإلكترونية التي أصبحت عبئًا على الأطباء، حيث يقضون الوقت الكثير في التوثيق بدلاً من التفاعل المباشر مع المرضى، وبالتالي انخفاض الرضا الوظيفي.
عزيزي صعصعة والزملاء الممارسون...
للتغلب على الإرهاق أبدأ يومك بالاسترخاء، اقضِ بضع دقائق في التأمل، قم بتمارين الإطالة الخفيفة، قراءة الكلمات الملهمة، ممارسة تقنيات التنفس، ادمج عادات الأكل الصحي والتمارين الرياضية والنوم، عزز الحياة الصحية في مكتبك، ضع حدودًا شخصية، لا ترهق نفسك، تعلم كيف تقول "لا" لأشياء معينة، اقض مزيدًا من الوقت مع عائلتك، خذ استراحة من التكنولوجيا (انقطع تمامًا عن الكمبيوتر المحمول والهاتف الخلوي)، عزز ميولك الإبداعية، ابدأ هواية لا علاقة لها بالعمل، اكتشف متعة ممارسة الطب من جديد، توقف لحظة لإعادة الاتصال بالسبب الذي جعلك تدخل الطب، فكر مرة أخرى في لحظة شعرت فيها بالسعادة والتقدير واسعَ لتحقيق هذا الشعور يوميًا، خذ إجازة، حدد أولوياتك وتذكر أنه بك أو بدونك لن ينتهي العالم.
وختامًا..
من المسؤول: صعصعة وأسرته أم المرضى الذين لا ذنب لهم؟ أم الإدارة الموقرة وفقها الله؟